من أهم مظاهر الخلل فى منهجية تكوين الوعى هو تلقى المفاهيم والتصورات واعتبارها حقيقة مسلمة دون أن تعرض على مناهج التحقيق لدى أهل العلم المحققين ليتم فرزها وسبر غورها على أسس قواعد التحقيق العلمى والأنكى من ذلك أن تصبح عبارات لقيطة أو أمثلة سائرة بين الشعوب هى من توجه القناعات بل وتعتبر مسلمات تبنى عليها مواقف والأخطر من الأول والثانى هو أن تصبح هذه القوالب النصية غير المنضبطة قاعدة شرعية أو مسلمة منهجية تطرح دون نقاش أو نقد وكأنها نص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. من هذه القوالب النصية عبارة (لا شماتة فى الموت) التى كثر الحديث عنها منذ (غياب) عمر سليمان بموت أو قتل واعتبارها دليلاً شرعيًا ينهى عن الفرح بموته أو قتله بل والصراخ بها فى وجه من شعر بشىء من الفرح الفطرى الذى يقتحم النفس التى تعلم أنه كان أهم أعمدة النظام الذى أذاق مصر ما ذاقت من ويلات وذل وفقر وتخلف بل وتعذيب وتنكيل بل ومخالفات عقدية تجعله أقرب إلى معسكر الخصوم منه إلى معسكر أهل الحق وتدخله فى إشكاليات الولاء والبراء لا سيما فى علاقته بإسرائيل وجنوب السودان ومساعدة الأجهزة الأمريكية فى استجواب المعتقلين بأساليب لا تليق بالحيوانات. ما قصدته هو اعتبارالبعض جملة (لا شماتة فى الموت) مقررًا شرعيًا أقرب إلى النص القرآنى أو الحديث المتواتر الذى يقتضى التسليم به والتوقف أمامه بالاستسلام والانقياد. وعند التحقيق نجد أن عبارة (لا شماتة فى الموت) عبارة لا مورد لها لا عند السلف ولا عند من تبعهم بإحسان ولا نعلم من قالها ولا أطلقها إنما سار بها الركبان وتفرقت فى الأسقاع والآفاق وربما لأنها أخذت هالتها من جملة ما تقرر أن الشماتة خلق لا يليق بالمسلم وأن الموت كأس سيمر على الجميع يتجرعه، ومن ثم فلا مكان للشماتة أو أنه لا شماتة فى موت مسلم بينك وبينه خصومة أو عداوة دنيوية. ومن ثم فالشماتة المذمومة هى التى تكون فى حقيقتها نحو المسلم بضر أصابه فى ماله أو ولده دون وجه حق كفقدان مال أو موت ولد وهذا ما قرره أبو حامد الغزالى حين قال: (الشَّمَاتَة: الفَرَح بالشَّرِّ الواصل إلى غير المُستَحِق، ممَّن يعرفه الشَّامت وقيل: الشَّمَاتَة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد) أما ما شعر به كثير ممن أصابهم ضرر الهالك أو من فرحوا بموته فى نفسه أو عرضه أو ماله فلا يعد شماتة لأنه من حيث التحقيق العلمى هو نوع من الفرح، الذى يشعر به المسلم جراء هلاك أو غياب ظالم أو قتله. وهذا أمر مشروع جاءت به الشريعة وقررته السنة فقد قال صلى الله عليه وسلم( ...والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) وسجد الحسن البصرى شكرًا لله حينما وصله خبر مصرع الحجاج بن يوسف الثقفى، وقال (اللهم عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنته وأعماله الخبيثة) وظل من سجنهم الحجاج ليلهم بأكمله فرحين يصلون لله شكرًا على موته ولم يقل لهم أحد (لا شماتة فى الموت)!! بل لما عرف إبراهيم النخعى بموته بكى من الفرح وتلا قوله (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين). ومن ثم فالعبارة لا أصل لها وعند التحقيق فثمة فرق كبير بين الشماتة وبين الفرح بهلاك الأعداء أو الخصوم. هذا يدفعنا إلى أن نحرر القول فى كثير من النصوص التى نظنها ثابتة ومقررة ونبنى عليها أحكامًا ثم بعد ذلك نكتشف أنها غير محققة بل ومتناقضة مع ما جاءت به الشريعة ومن جملة ذلك عبارة (لا حياء فى الدين). فالعبارة لم ترد بهذه الصيغة الركيكة التى قد تشير إلى نفى الحياء من الدين بل نقول هناك حياء فى الدين وفى كل شىء والحياء لا يأتى إلا بخير إنما المقصود هو (لا خجل فى تعلم الدين) لأن الحياء هو تغير فى وجه الإنسان حينما يذكر أمامه شىء يعيبه.