الترامادول أحد المسكنات الفعالة للكثير من الأمراض ويتم تناولها لبعض الحالات بناء على استشارات طبية، لكن مع استخدامها على أنها مواد مخدرة ضمن الأفيونات المخلقة أو المصنعة أصبحت الأكثر انتشارا من بين الأدوية داخل الصيدليات بل ويتم تداولها في الأماكن الغير مشروعة وتهريبها بطرق غير مشروعة وبيعها بالحباية ويمكن تقسيمها إلي أرباع عند البيع، كما يطلق عليها المصريون "بتعمل دماغ عالية". وقالت وكالة "بي بي سي"، في تقرير نشرته، إن الترامادول من المسكنات الفعالة التي يجب صرفها بناء على تعليمات طبية، وهو يحتوي على مادته الفعالة " ترامادول هيدروكلوريد" قرابة 20 صنفًا يأتي أغلبها من الصين أو الهند، وتصنّع شركات الأدوية المصرية المصرّح لها الترامادول بتركيز 50 و100 مليجرام. إدمان المسكّنات أو الأدوية الموصوفة طبيًّا بات الأوسع انتشارًا ليس في مصر فحسب بل في العالم، وفقًا لتقرير المخدرات العالمي، وتقرير الهيئة الدولية للرقابة على المخدرات وتشير إحصاءات "صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي" في مصر لعام 2017، إلى أن نسبة تعاطي المخدرات بين المصريين سجلت 10 في المئة، أي ما يزيد عن عشرة ملايين شخص، أو واحد من كل عشرة أشخاص، وقد تكون النسبة أكبر من ذلك، نظرًا لأن كثيرين يفضّلون عدم الاعتراف بإدمانهم أو بإدمان أحد من أفراد الأسرة، نظرًا لوصمة العار المرتبطة بمشكلة الإدمان في المجتمع. وتعدّ أقراص الترامادول أكثر أنواع المخدرات والأفيونات" المصنّعة انتشارًا بين المدمنين في مصر بنسبة 28.71% ثم يليه الحشيش بنسبة 23.21%، ثم الهيروين بنسبة 15.78%. العدد الأكبر من المتقدمين للعلاج من الإدمان من الشباب في الفئة العمرية بين 21 سنة إلى 30 سنة،بنسبة تقترب من 50 في المئة من الراغبين في العلاج. ويتلقّى الخط الساخن ما بين 350 و500 مكالمة يوميًّا للعلاج أو تلقّي المشورة." يعرّف متخصصون إدمان أي مادة مخدرة بفقدان السيطرة، واعتماد المخ والجسم على هذا المخدر، وهو ما يفسر حدوث الشعور بالنشوة. ويعتاد المدمنون على كمية مخدرات أكثر بكثير من المخدر الطبيعي الذي يُفرز في جسم الإنسان، ويحدث لدى المدمنين اضطراب هائل في إفراز مادة الدوبامين، وهي مادة كيميائية يفرزها المخ وهي المسؤولة عن أحاسيس كثيرة مثل النشوة، والسعادة، وتوجد في مراكز ومستقبلات المخ، خاصة ما يسمى بمركز "المكافأة". ولا يُجدي الإقناع أو الكلام -في أغلب الأحيان- في محاولات الإقلاع، فالأولوية القصوى لدى مخ الشخص المدمن، هي الحصول على الجرعة التي تمكنه من التصرف كشخص طبيعي يستطيع أن يؤدي أبسط المهامّ اليومية. وإذا أفرط المرء في تناول مسكنات الألم، مخالفًا تعليمات الطبيب لفترة التعاطي التي لا تتجاوز أربعة أسابيع، فإنه يتحول -بنسبة كبيرة- إلى إدمانها. الحل الأمثل هو تجنب تلك الأدوية تمامًا، أو على الأقل الإدراك التامّ -منذ البداية- أن الإفراط في تناولها سيؤدي حتمًا إلى كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية، كما يقول دكتور أحمد صلاح كامل، مدرس واستشاري جراحة المخ والأعصاب بكلية الطب، جامعة القاهرة. ويعتبر الدماغ البشري المسؤول الأول عن تنظيم الوظائف الأساسية لكي نستطيع القيام بالأنشطة اليومية، والتحكّم في العواطف والأفكار والسلوك بصفة عامة. ولذلك فإن إدمان المخدرات يتسبب في عدم إدراك الفرد لما يفعله. بعبارة أخرى، العقل الذي دخلته الموادّ الكيميائية من المواد المخدرة، لا يؤدي بصاحبه إلى عدم التصرّف بطريقة طبيعية فحسب، بل قد يدفعه إلى ارتكاب جرائم، كالقتل والسرقة، بل والانتحار أيضًا. ويشرح دكتور كامل ما تفعله تلك المخدرات بالدماغ البشري بطريقة مبسطة: "تخاطب الموادّ المخدرة في المخ مركز المكافأة. ويعدّ مركز المكافأة مسؤولًا عن الشعور بالسعادة والفرحة في حياتنا، وعندما يتعاطى الفرد المخدرات يفرز المخ كمية كبيرة من مادة الدوبامين المسؤولة عن السعادة، كما يؤدي الإدمان إلى ضمور في حجم المخ، فيصغر حجمه بسبب التأثير عليه بطريقة دائمة بتلك المؤثرات الخارجية، ويبدأ المخ في تكوين مستقبلات يلزم ملؤها بتلك المواد المخدرة يوميًّا لكي يصبح الشخص المتعاطي طبيعيًّا". يقول الدكتور عبد الرحمن حماد، أخصائي الأمراض النفسية والمدير السابق لوحدة الإدمان بمستشفى العباسية الحكومي، إن رخص سعر الترامادول وتوفّره ساعد على انتشاره، ويعتقد أن المشكلة الرئيسية هي في إقبال أعداد كبيرة على تسكين الألم بمادة خطيرة قابلة للإدمان. ويضيف:"مشكلة الترامادول عندما ظهر في مصر، أنه كان زهيد الثمن، وكان من الممكن شراءُ الحبة بجنيه واحد فقط، فاتّسعت دائرة الإدمان لتشمل كل من يستطيع شراء المخدرات ولا يستطيع الشفاء منها، أو بعبارة بسيطة، لا يملك أغلب مدمني تلك الأدوية المال اللازم للعلاج، لكنهم يستطيعون شراءها لأنها رخيصة." ويقول الدكتور ياسين رجائي، مدير المكتب الفني للإدارة المركزية للصيدلة بوزارة الصحة المصرية، لبي بي سي، إن صرف أي دواء مدرج بجدول الأدوية المهدئة أو المؤثرة علي الصحة، يخضع لعملية مراقبة مشددة، وتنظّم وزارة الصحة حملات تفتيش على الصيدليات المخالفة لهذه الإجراءات. ويضيف رجائي، أنه يجب صرف هذه الأدوية بموجب وصفة طبية، ولا يجوز صرفها بدون وصفة طبيب، حيث "تراقب وزارة الصحة المصرية الصيدليات العاملة في مصر، بالتعاون مع وزارة الداخلية المصرية، وتنظّم حملات تفتيش على الصيدليات كافة." وينظم القانون المصري عبر موادّه المختلفة، عملية صرف الأدوية المهدئة أو المؤثرة على الحالة النفسية، ويجب أن تصرف الأدوية بوصفة معتمدة من طبيب ولمدة محددة، بناءً على حالة المريض، وفي بعض الأوقات من حق الصيدلي الاحتفاظ بالوصفة الطبية". وينصح المتخصصون بالانسحاب البطيء، الذي يصل إلى ستة أشهر في حالات الإدمان، عن طريق تقليل الجرعة تدريجيًّا، مع المواظبة على بعض الأدوية المعالجة للأعراض الجانبية، فيتم خداع الجسم والمخ وتهيئتهما على أن هناك انخفاضًا تدريجيًّا ومطردًا وبطيئًا في تركيز الموادّ الكيميائية المخدرة، حتى يصل المخ إلى حالته الطبيعية. ويقول دكتور أحمد خالد، رئيس مستشفى الأمل لعلاج الإدمان: "هناك حالات لا يصل فيها المخ إلى حالته الطبيعية حتى بعد انتهاء فترةالعلاج، فأعراض الانسحاب تختلف من شخص لآخر، وفقًا للحالة الصحية العامّة، وحدّة الإدمان، ونوع المخدر، ومدة التعاطي، والشخصية، وأسلوب الحياة، وإذا ما كان يتعاطى مخدرات أخرى أقلّ أو أكثر حدة مثل القنّب أو الحشيش، أو الهيروين، وأخيرًا وليس آخرًا العامل الوراثي. ويبدأ المدمن بالشعور بأعراض مختلفة بعد توقيف المخدر مثل التعب، والعرق الشديد، والإسهال، والصداع، والبرد، وتكسير يكاد يحطم عظامه وضلوعه، والاكتئاب". وتمتدّ قصص إدمان المسكنات والمنشطات إلى أطباء، وومرضين، وطيارين، وأناسًا من مختلف المهن التي تتطلب مجهودًا ذهنيًّا وبدنيًّا عاليًا فهذا ممرض أدمن حقن البثادين التي يأخذها المرضى بعد أداء عمليات جراحية كبير لتسكين الألم، وأخذ يسرق تلك الحقن لنفسه، وفصل من عمله بعد اكتشاف أمره، وطبيب بدأ الأمر معه بمسكّن لعلاج الصداع النصفي، وبدأ بحبة واحدة ثم زاد الجرعة إلى ثلاث حبات ليشعر بحالة من النشوة العالية، لكنه انتبه أنه على وشك الدخول في تلك الدائرة المظلمة، فتوقف فورًا. كما بدأت ظاهرة جديدة في مصر وهي "الدكتورشوبنج"، وهي قيام المدمن بالكذب على الطبيب واختلاق أعراض مرض ما في العظام، كالانزلاق الغضروفي، ليحصل على وصفة علاجية بها مسكّنات للألم، ويتوجّه لأكثر من طبيب لكي يصرف له نفس الدواء، نظرًا لأنه مسجّل محليًّا ضمن جدول المخدرات. الشيء الذي يجمع قصص كل من تحدثنا معهم، هو ذلك الإحساس بالثقة الزائدة بأنهم جميعًا لن ينجرّوا إلى الإدمان؛ لأن كل شيء "تحت السيطرة". الكل يجمع على أنهم كانوا يستطيعون التوقف متى يشاءون . لكنهم لايريدون.