تمثل اللغة واحدة من أهم خصائص الأمم، لأنها الوعاء الحامل لثقافة كل أمة وخصائصها العقلية والروحية والنفسية. وهى خزانة رصيدها التاريخى من الخبرات والمعارف والقيم والمنجزات. وعبر مسار اللغة فى التاريخ احتفظت كل أمة بصفاتها المميزة لها بين الأمم، وبها تميزت شخصيتها الإنسانية والحضارية بين شعوب وحضارات العالم. وتنص المادة الثانية من الدستور المصرى على أن "اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد". ولم يثر – فى خضم الجدل الموسع الآن فى مصر حول بعض مواد الدستور، فى سياق عمل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الجديد- لم يثر أى جدل حول هذا الجزء من المادة الثانية، لا فى وضعيته ولا فى صياغته. وبدا الأمر كأنه مسلمة لا نقاش فيها، أو أمر مجمع عليه بلا خلاف. وإذا كان هذا صحيحًا نظريًا فإنه ليس كذلك فى الواقع المصرى، سواء فى الحقبة الماضية أو فى المستقبل. أما من جهة الحقبة الماضية فإن الجميع يشهد باضمحلال شأن اللغة العربية- ومن ورائها الثقافة العربية- فى المجتمع المصرى؛ فى التعليم والإعلام والحياة العامة. وأما من جهة المستقبل فنحن بحاجة – ونحن نعيد بناء وطننا وإنساننا المصرى من جديد، ونحتشد له بمشروع نهضة قوى- أن نفتح ملف اللغة العربية فى التعليم والإعلام والمجتمع، وذلك من خلال الخطوات التالية: أولا: أن يكون التوجه العام للدولة المصرية هو تعظيم شأن اللغة العربية، عن طريق سن قوانين وتشريعات وإجراءات لا تحمى فقط لغتنا العربية الجميلة من الاستعمالات الخطأ ومن التشوه، بل تدفع إلى تعميقها وتجذير قيمتها وجمالها فى القلوب والعقول وعلى الألسنة وعند أسنة الأقلام. ثانيًا: إعادة بناء مناهج اللغة العربية فى التعليم العام والجامعى بما يضمن ترسيخ ملكة اللسان العربى فى الطلاب، وبما يحقق قوة اللغة وانتشارها ونماءها. ويتطلب هذا إعادة النظر الجاد فى تقوية ودعم المدارس التى تعلم باللغة العربية لتقليص مساحة التعليم باللغات الأجنبية، الذى يهدد ليس فقط مشروع النهضة بالفشل، بل يهدد الهوية المصرية ذاتها بالتفكك والذوبان. ثالثًا: تجميع وتفعيل توصيات كل المؤتمرات العلمية الخاصة بتعليم اللغة العربية والخاصة بالتعريب- وما أكثرها فى العقود الأخيرة- وتنزيلها من أفقها الأكاديمى النظرى إلى الواقع العملى التنفيذى. رابعًا: على السيد رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى - وهو الحافظ لكتاب الله، المتمكن من التحدث بالفصحى- دور كبير فى توجيه الشعب المصرى نحو تعظيم شأن اللغة العربية، وقد تابعناه جميعًا يصحح أولاً بأول ما وقع فيه من أخطاء نحوية فى خطاباته الأولى، خاصة فى المرتجل من كلامه فيها. فالتزام السيد الرئيس بمخاطبة شعبه باللغة العربية الفصحى فى كل المناسبات، مع الحرص على السلامة اللغوية التامة، ومتابعته تنفيذ كل القوانين والتشريعات والإجراءات الخاصة باللغة العربية، كل ذلك –وغيره- سيعيد للغة العربية مكانها ومكانتها فى مجتمعنا الناهض. وتقتضى الخطوات السابقة استنفار جهود كل المؤسسات المعنية باللغة العربية كوزارة التربية والتعليم، والتعليم العالى، والثقافة، والإعلام، والأزهر الشريف، ودار العلوم، وكليات الآداب، ومجمع اللغة العربية، لوضع سياسات عامة وخطط وبرامج وآليات قابلة للتنفيذ، لنعيد بناء الشخصية المصرية بناءً لغويًا عربيًا قويًا قادرًا على حمل أعباء النهضة، باعتبار اللغة العربية أحد أهم مقومات الشخصية المصرية التى نسعى جميعًا لاستعادتها قويةً ناهضةً رائدة. د. مديحة السايح جامعة القاهرة- كلية دار العلوم قسم البلاغة والنقد الأدبى