ابن "الوز" الذي بات عواما.. سياسي وأديب وكاتب سيناريو.. ومحام في ساحة النضال الوطني إبراهيم يسرى، دبلوماسى غير تقليدى بالمرة، جدير بأن يُطلق عليه لقب السفير الثائر، وهو بالتأكيد مختلف عن أقرانه، والمعروف أن كل من يعمل ب"الخارجية" يبدو متحفظًا، ونادرًا ما يدلى بآرائه فى أحوال بلده حتى بعد إحالته إلى المعاش، فهو يرفع شعار الصمت من ذهب! لكن سفيرنا الثائر مختلف، وبيته كان قبلة للوطنيين والمعارضين أيام مبارك، وأنا شخصيًا ذهبت إلى هناك أكثر من مرة؛ لحضور اجتماع لقوى المعارضة، وصديقى العزيز السفير إبراهيم يسرى دخل إلى قلب الحياة الوطنية من أوسع الأبواب، عندما قام برفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، ضد وزارة البترول، ورئيس مجلس الوزراء، ووزارة المالية؛ لإلغاء صفقة تصدير الغاز المصرى لإسرائيل التى أُبرمت فى 30 يونيو عام 2005، وكان منسق حملة "لا لبيع الغاز للكيان الصهيونى"، وحصل على حكم لصالحه. ابن الوز عوّام وصاحبى شرقاوى من الشرقية، تجاوز الثمانين من عمره، فهو من مواليد الثامن من يونيو عام 1935م، والده من علماء الأزهر وتلاميذ الشيخ محمد عبده، شارك بفاعلية فى ثورة 1919م.. يقول إبراهيم يسرى: تأثرت كثيرًا بوالدى يسرى سيد حسين عبد الرحمن السهيلى، وأنا أكبر أبنائه الخمسة، وفى طبيعتى بعض صفات الوالد.. التدين، الثائر، الرافض للظلم، وحب الوطن بطريقة إيجابية، فأنا أحمل هموم بلدى، ولا أرفع شعار "وأنا مالى"، واكتفى بحياتى الخاصة. مدرسة الزمن الجميل ولا ينسى السفير إبراهيم يسرى، مدرسة الزقازيق الثانوية، ومدرسته فى الزمن الجميل مختلفة جذريًا عن مدارس هذه الأيام، كانت هناك ملاعب واسعة، والعديد من وسائل الراحة، ومدرسون بحق وحقيقى، ولم تكن هناك دروس خصوصية، وكان المدرس مسئولًا عن كل الطلاب، وكثيرًا ما يكون بمثابة الأب الروحى لهم، ولا يكتفى بإلقاء درسه، بل يناقشهم فى أحوالهم، ويتحدث معهم عن مشاكل مصر، ويعطيهم دروسًا فى الوطنية، وقد تأثر خاصة بأستاذ التاريخ واللغة العربية. أساتذة لا ينساهم وعن ذكرياته فى الجامعة يقول السفير إبراهيم يسرى، دخلت حقوق عين شمس عام 1952، وكانت فى عز شبابها "بأساتذة طازة" قادمين توًّا من الخارج، وأتذكر منهم بكل خير أستاذ الاقتصاد، الدكتور حلمى مراد، والقانون الدولى الأستاذ محمد حافظ غانم، والقانون المدنى الدكتور عبدالحى حجازى، وربنا يرحمهم جميعًا، وفضلهم لا ينسى، وكانت لكل منهم ميزات عدة، ويجمعهم العلم الغزير والهيبة والاحترام والشخصية القوية والوطنية الصادقة. ضباط في الخارجية وسفيرنا التحق بوزارة الخارجية عام 1957 بعد امتحان اجتازه بنجاح، والمؤسف أنه فى ذلك الوقت، بدأ التحاق ضباط الثورة من المرضى عنهم بالخارجية؛ مكافأة لهم على إخلاصهم، فتراجعت الكفاءة وتقدم الولاء، وضاعت القدوة والمثل العليا، ومع ذلك فإن السفير إبراهيم يسرى الذى بدأ من أول السلم، واستطاع أن يشق طريقه بنجاح كبير، ووصل إلى أعلى المناصب بالخارجية سفيرًا بالدرجة الممتازة. وقد أُحيل إلى المعاش عام 1995 بعد بلوغه السن القانونية، وخلال هذه الفترة التى اقتربت من الأربعين عامًا خدم فى العديد من الدول مثل الجزائر ومدغشقر ورومانيا وبريطانيا والهند، ورأس المحكمة الإدارية لمنظمة الوحدة الأفريقية من عام 1983 إلى عام 1985، ودوره كبير كذلك في مفاوضات طابا، حيث رأس اللجنة الفنية، وكان مديرًا عامًا للإدارة القانونية والمعاهدات، وأُوكلت إليه عقد العديد من الاتفاقيات الدولية، وقام بتدريس القانون الدولى بالمعهد الدبلوماسى، وشارك فى وضع امتحانات تلك المادة بالخارجية المصرية، وكان خلال سنوات عمله يلقى كثيرًا من المحاضرات، ويشارك فى الندوات التى تتناول قضايا سياسية أو قانونية. نشاط واسع بعد المعاش ولم يعتزل صديقى السفير إبراهيم يسرى الحياة بعد إحالته إلى التقاعد، بل بدأ نشاطًا واسعًا، فقد عمل بالمحاماة، واُشتهر بأنه محامٍ محترم، وقام بإلقاء العديد من المحاضرات، وكتابة المقالات، وله أكثر من ألف مقال منشور فى مختلف الصحف والمجلات، وأصدر عدة كُتب أولها عن أزمة الجامعة العربية وكيفية تطويرها، وكتاب آخر عن الغزو الأنجلو سكسوني للعراق، وهناك كتاب عن الأصول الجديدة لإدارة علاقات مصر الخارجية، والذى لا يعلمه الكثيرون، أن صديقى العزيز عنده موهبة فى الكتابة الأدبية قام بتنميتها وتأصيلها، فدرس السيناريو فى معهد متخصص بذلك فى القاهرة، واستكمل تلك الدراسة فى كاليفورنيا، وأصدرت له دار الهلال عملًا دراميًا عنوانه "رجل وأربع نساء"، يتحدث فيها عن فترة عبد الناصر، وله أعمال أخرى مثل "الأذن تعشق"، و"قلب من حجر"، و"المراهقة بعد الستين"، و"نور الحياة"، و"عالم مزيف"، وغير ذلك. شكرًا شريكة العمر سألته عن حياته الخاصة، فبدا عليه التأثر، وهو يقول: تُوفيت منذ عدة سنوات، وهى ابنة خالتى، وفضلها كبير على أسرتنا، وكانت تحيطنا دومًا بالحب، فشكرًا لها، وقد أنجبت لى أجمل ما فى حياتى، وكلهم للأسف يعيشون بالخارج، ابنى دكتور رمد فى واشنطن، وابنتى محامية فى كاليفورنيا، وابنتى الثانية تعيش فى دبى، وحاصلة على الدكتوراه فى علم النفس، وأخرى متزوجة من سفير، وكلهم من الناجحين والحمد لله، وهذا من فضل ربى. واختتم السفير إبراهيم يسرى، حواره معى بمفاجأة.. تتمثل فى كلمة قالها له والده بعد ثورة يوليو عام 1952 "يا بنى.. إذا وصل العسكر إلى السلطة فلن يتركوها أبدًا.. وبعد أشهر قليلة مات والدى، وواضح أن كلمته كانت صحيحة وصادقة".