منذ سنوات ، وفور نشر مقال لي عن إنتفاضة الأقصى في صحيفة (الأهرام) ، تلقيت خطابا غير موقع مكتوب بخط اليد باللهجة العامية المصرية ، وموجه "إلى الكاتب الفلس طيني صلاح عز" (أكرر " فلس طيني") . وعلى الرغم من أن الانتماء إلى فلسطين هو شرف لكل عربي ، فإن مديحي كان أبعد ما يكون عن أغراض كاتب الخطاب الذي وجّه إلى شخصي سيل من أقذع ألفاظ السباب وأشدها سوقية ، قبل أن يكتب قصيدة عشق في إسرائيل . كان يقيني منذ أن هبت رياح التطبيع والهرولة على مصر في أعقاب توقيع إتفاق أوسلو، ومنذ الكتاب الذي تغزل فيه كاتب مسرحي مصري في جمال إسرائيل ونظافة شوارعها ، أن الصهيونية عقيدة لاترتبط بعرق أو دين ، وأنها ليست حكرا على اليهود وطائفة من المسيحيين الإنجيليين ، وأن هناك في مجتمعاتنا العربية من يؤمن بأن لإسرائيل حق في فلسطين ، وأن لليهود "حق تاريخي في القدس" ، ويتمنى لو أن شارون هو الذي يحكم بلاده . ولكن ما فاجأني في الخطاب المذكور كان حدة الكراهية للفلسطينيين ولمن يناصر قضيتهم. هناك من المصريين من يتصهين حبا في الشهرة ومبدأ خالف تُعرف ، وهؤلاء لاخوف منهم لأن هدفهم واضح ، وهو الظهور والشهرة. إنما كل الخوف من أمثال هذا الصهيوني المصري الذين يبذلون جهدهم لئلا تنكشف خباياهم الشريرة ليس فقط لأنهم جبناء ، وإنما لأنهم لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم إلا وهم يدعون الوطنية . والغالبية من هؤلاء إما أنهم في مواقع السلطة أو مقربون من الحكم ، ولديهم من المناصب و المكاسب مالا يضمن إستمرارها إلا علاقات وثيقة لمصر مع الكيان الصهيوني . وكما يفعل صهاينة أميركا مع رئيس الولاياتالمتحدة من التحلق حوله وتشكيل دائرة مغلقة تضمن ألا يستحوذ غيرهم على عقل وسمع وبصر الرئيس ، هكذا يبدو أن أقرانهم في مصر يفعلون مع الرئيس المصري وإبنه. في أميركا إختطفت قلة من الصهاينة لا يتجاوزون أصابع اليدين عملية صناعة القرار واختطفوا معها السياسة الخارجية. وفي مصر إختطفت قلة من مراكز القوى البلد بأكملة لتيسيره لصالحهم. فالصهيونية ليست إلا مجموعة أفكار يمكن تحت الإلحاح إقناع الغافلين بها. كانت هذه مقدمة ضرورية لتفسير التماثل العجيب بين أساليب الإستبداد المصري والإحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الشعبين المصري والفلسطيني . فقد أكدت المرحلة الأولى من إنتخابات مجلس الشعب المدى الذي وصل إليه تحكم المال والبلطجة في العملية الانتخابية ، وهو أشبه ما يكون عليه الوضع خلال إنتخابات الكونجرس ، حيث تمارس البلطجة الفجة ضد كل خصم محتمل للمؤسسة الصهيونية هناك ، ولايسمح بالترشح إلا للحثالة المنافقة لإسرائيل .. وهذا هو الحال أيضا مع الحثالة المصرية التي إرتقت بالنفاق حتى تربعت على القمة في مختلف مواقع المسئولية. وغدا أبدأ في سلسلة أسرد من خلالها عدد من الأمثلة تدلل على حجم تغلغل الفكر والأساليب الصهيونية في القرار المصري ، وإختراق حلفاء إسرائيل لدوائر الحكم بمساعدة أهل النفاق الذين ارتبطت مصالحهم الشخصية بحكم مبارك الأب ، ويسعون لتأمين مكاسبهم ومناصبهم باستمرار هذا النظام عبر مبارك الإبن لعقود أخرى. [email protected]