عندما كتبت مقالي يوم أمس ، وأخذت علي صحيفة العربي الناصرية ، بعض مواقفها المهنية، التي تخصم عادة من رصيدها السياسي ، وتخسر تعاطف الرأي العام معها، لم أكن قد اطلعت بعد علي عددها الأخير. إذ بعد صدور عدد أمس من " المصريون " ، فوجئت بالعربي في عددها الصادر يوم 13 نوفمبر 2005 ، تحتفي مرة أخري ب نصر حامد أبو زيد ، بمناسبة حصوله علي ذات الجائزة : " جائزة ابن رشد"!. تواتر مثل هذه المواقف، يعني بالنسبة لي و ربما لغيري أيضا الكثير ..و لعل أهمها في تقديري ، هو أن ثمة قطيعة فيما يبدو بين الإدارتين السياسية بالحزب ، والصحفية بالجريدة ، أو أن الإدارتين بسبب أزمة الحزب المالية تركت لكل محرر في عموده أو في صفحته التي يشرف عليها، يفعل بها ما يراه مناسبا لمصالحه ، أو لما يعتقده من آراء بغض النظر عن أية مُثل سياسية أو مهنية عليا! وبتجربتي الصحفية ، فإن رئيس التحرير بسبب أجندته اليومية المزدحمة بالكثير من المهام ، لا يعرف كل التفاصيل دقها وجلها داخل صفحات جريدته ، فهو يثق في زملائه المشرفين علي الصفحات ويترك لهم حرية الحركة وفق إطار عام تلتزم به الصحيفة سياسيا ومهنياً ولذا فإنني اعتقد أن الزميل والصديق والمناضل الكبير د. عبد الحليم قنديل ، مثله مثل كل رؤساء التحرير ، لا يعرف مثل كل هذه التفاصيل. والمشكلة في اعتقادي ترجع إلى أن الزميل المشرف علي الصفحة ومشرف الصفحات الثقافية عادة ما يكون له ارتباطات بكثير من الدوائر الثقافية في مصر ، خاصة الشخصيات المتنفدة بمؤسسات الدولة ، و بمراكز صناعة القرار بوزارة الثقافة ، التي تعشش فيها مطاريد اليسار المصري الذي هزم عسكرياً في أفغانستان وأيدولوجيا بسقوط الاتحاد السوفيتي واختفائه من علي الوجود نهائياً. بعض محرري الصفحات الثقافية بالصحف المصرية فعلاً لهم "مصالح" مع هذه " المراكز " ! ويخدّمون عليها مهنيا وإعلامياً نظير تمرير بعض " المنافع " التي لابد لها أن تختم بخاتم وزارة الثقافة ! المهم أن العربي في صفحتها رقم ( 14 ) من عدد 13/11/2005 كتبت عن أبي زيد مانشيتاً كبيراً بعنوان " يكرمه العالم ويهان في مصر ! ". ولا ندري ما هو هذا " العالم" بالضبط الذي كرمه ؟! ..عندما عدت للجوائز التي نالها أبو زيد وجدتها جميعاً جوائز عربية لا وزن لها و لا ثقل و لا قيمة عليمة أيضا لها ، ترتكز في تأسيسها و في معايير المفاضلة بين المرشحين لها على مبدأ " الشللية " المنتشرة في الأوساط الثقافية العربية ! و من بينها أيضا جوائز حصل عليها من أنظمة عربية ديكتاتورية وقمعية ، ويكفي أن أبو زيد كرمه واحد من أكثر الرؤساء العرب ديكتاتورية و قمعا لمعارضيه وهو الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي " الذي أدانته جميع منظمات حقوق الإنسان في العالم ، والذي اشتري صفحات كاملة في الصحف المصرية ، منها صحف معارضة كبيرة، تدعي الدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية اشتراها " بن علي" ودفع لها نظير تقديمه للرأي العام المصري باعتباره زعيما ديمقراطيا كبيرا ، و ذلك من خلال اعلانات دفعت ثمنها السفارة التونسية بالقاهرة !! النجومية التي يتمتع بها " خوارج" المثقفين المصريين الخارجين عن الإجماع الوطني ، نجومية زائفة ، صنعتها ثقافية الشللية ، والعصابات التي تعز وترفع كل من كان علي هواها ومزاجها أو كان علي دينها وعقيدتها الشيطانية ! وتذل وتقصي وتهمش كل من خالفها وانتقدها واتبع سبيلا آخر ! علي سبيل المثال فإن محرراً بصحيفة يسارية ، عندما تقطعت به سبل العيش توسل لقيادي إسلامي كبير ، ليتوسط له للعمل بإحدى المواقع الإسلامية الشهيرة على الانترنت ، وعندما التحق به ، لم يحفظ للإسلاميين جميلاً ولم يسد لهم معروفاً ، كان يقبض منهم نهاراً ويشتمهم علي الفضائيات ليلاً ، حتى انه أيد عدم الافراج عنهم نهائيا ، و قال بالحرف إنهم جميعا لا يستحقون إلا "الضرب بالجزمة" ! ولقد نصح البعض الشيخ يوسف القرضاوى بان ينتبه لخطورة هذا " المحرر " .. وأن تسمينه في معالف الإخوان المسلمين لن يعود بالنفع عليهم ، وانه سيعض يوماً ما اليد التي أحسنت إليه ، وكبرته وجعلته وجها "فضائيا"! في تلك الفترة وبسبب طول لسانه وشتيمته للإسلاميين ، تصيدته صحيفة عربية في لندن ، تبدو لعدائها الشديد لكل ما هو عروبي و إسلامي وكأنها تحرر بيد جنرالات الحرب بالبنتاجون ، وتنشر التقارير الصحفية التي يحررها عملاً ( CIA) في العالم ، هذه الصحفية استكتبته وأفردت له زاوية أسبوعية ! و ظل على هذه الحالة حتى وقعت الفأس بالرأس ، وتفلت لسانه وبهدل الإخوان المسلمين ، وأهانهم ، ولم يترك نقيصة إلا وألصقها بهم ، ليعود إلي القاهرة ويجد نفسه طريدا من الموقع الذي كان لحم كتفيه من خيره ! بعدها اختفي إعلاميا ، ولم يظهر إلا كلما شاءت احدي القنوات الفضائية ، استضافة من يسلق الإسلاميين بلسانه !. وفجأة ..... يوم الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، ظهر علي احدي الفضائيات الشهيرة ، لتقدمه باعتباره مستشارها السياسي !! وعندما بحثت في الأمر اكتشفت أن الذي تصيده في الصحيفة العربية اللندنية ، لم يشأ أن يتركه في الشارع ، فأراد أن يكافئه علي بهدلته للإسلاميين وفتح له طاقة القدر في دبي ! خاصة وأن القناة الفضائية والصحيفة اللندنية ، يعود نسبهما و أصلهما إلي " نطفه واحدة " !!. إن قصة هذا المحرر هي ذاتها قصة أبو زيد .. نجمان صنعتهما " الشللية" ومافيات الثقافة التي تتاجر وتبيع هويه الأمة وحضارتها نظير نجومية رخيصة وشيكات وحسابات دولارية .. هي يالتأكيد نار في بطون آكليها . [email protected]