منذ أسندت إلى الدكتور محمد مرسى مقاليدُ الحكم فى مصر، وسماء الإعلام الشعبى لا تزال تمطرنا بزخات المديح المنهمر ثناء على الرجل فى دينه وتقواه.. لا بأس، لكن أن يكون الثناء ساذجًا يفترض فى الآخرين البله والبساطة فهو الخداع والكذب يتزيا بزى الصدق والإنصاف! وأن يكون هذا الثناء ممن يُفترض فيهم أنهم مربون معنيون بغرس القيم الأصيلة فى النفوس بحكمة واعتدال فهى الطامة الكبرى التى لا تبشر بنهضة أو ارتقاء! ماذا تستفيد الشعوب من رؤسائها ومسئوليها إذا صلوا، أو صاموا، أو قاموا الليل حتى تتورم أقدامهم؟ لا شىء! ألم نكن نرى كثيرًا من أتباع النظام المخلوع ورموزه فى المدن والقرى والنجوع يتقدمون الصفوف الأولى فى الصلوات الخمس بهمة وحرص، ولا تكاد المسبحة تفارق أصابعهم ذكرًا وتسبيحًا! هل كانت تحجزهم صلاتهم وذكرهم عن تزوير إرادة الأمة فى كل انتخابات بمهارة وحَذق؟! أنا لا أعنى بحديثى تفتيشًا عن النوايا وتحميلاً للأمور بما لا تحتمل! ما أعنيه هو ضرورة الولوج إلى مقاصد الدين الذى نبشر به، ونريد لقيمه أن تكون قِبلة للعالم فى شؤون الإدارة والحكم. إذا كانت لنا رغبة فى الثناء على تدين الرؤساء والمسئولين - فلنلقى الضوء على عبادتهم المنوطة بهم دون سواهم، عبادة العدل ورعاية مصالح شعوبهم وأمتهم وتحقيق الأمن بكل معانيه، تلك العبادة التى يكون الحرص على إتقانها والتفانى فى تحقيقها سبيلاً لمحبة الخلق، ورضا الخالق. ولَأن يُقال عن هذا الرئيس أو ذاك أنه لم ينم منذ ليالٍ إلا غفوات، من أجل أن يغيث ملهوفًا، أو يؤوى مشردًا، أو يستر عاريًا - أحب إلى من أن يقال عنه صوامٌ، قوامٌ، كثيرُ الركوع والسجود، مع ضياع للعدل وفقدان للأمن. علينا إذن أن ندع الاهتمام بالجوانب الخاصة والشخصية للرؤساء والمسئولين، ونهتم بالجوانب العامة فى حياتهم، إذ هى أحق بالمراقبة والتقييم. وقد يرى البعض أن توظيف أخبار الرؤساء والمسئولين الخاصة بتدينهم والتزامهم بالعبادات والشعائر فى دورات التربية الاجتماعية ووحداتها من الممكن أن يعود بالفائدة الكبيرة التى لا ترجى من توظيف أخبار غيرهم. وأنا لا أرى فى ذلك بأسًا.. شريطة أن يحسن المربون فقه التوظيف دون تعارض مع المفاهيم الأساسية للأمور أو الخروج عن طبائعها، بقلب حقائقها وتشويه معالمها. أسأل المولى سبحانه أن تتمخض الأيام والليالى عن وطنٍ عَفى قوىٍّ ناهض، تُرى فيه الأمور على حقيقتها، وتوزن بالقسطاس المستقيم. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". • باحث فى الفكر الإسلامى