تعديلات الإجراءات الجنائية بالنواب لوسائل الإعلام: "نشكركم لحسن تعاونكم" قانونيون: التعديلات تؤثر على مبدأ العلانية وتقصي وسائل الإعلام خارج الجلسات حقوقي: سترسخ الشك في العدالة.. وعلى الرأي العام أن يعرف ما يجرى بالجلسات خبراء إعلام: تضييق جديد على وسائل الإعلام ويجب التصدي لها عضو مجلس نقابة: نص مرفوض وسنقدم خطابًا للنواب لتعديله ناقشت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب مشروع تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية وانتهت اللجنة لإقرار عدة فقرات جديدة على القانون، ومن بين تلك الفقرات الفقرة "ب" والخاصة بالمادة 268 والتي تنص على: "لا يجوز نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة كانت إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة"، فضلاً عن مادة مكررة أخرى تنص على: "حظر نشر أخبار أو معلومات أو إدارة حوارات أو مناقشات عن وقائع الجلسات على نحو غير آمين أو على نحو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة" و"حظر تداول أي بيانات أو معلومات تتعلق بالقضاة أو أعضاء النيابة العامة أو الشهود أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب"، والتي اعتبرها حقوقيون وقانونيون وإعلاميون تعديلات كارثية تقصي وسائل الإعلام خارج الجلسات وتؤثر بمبدأ العلانية. كما اعتبرها البعض إخلالاً صريحًا بالمادة رقم 187 من الدستور المصري الحالي والتي تنص على "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية"، بينما اعتبر البعض أن الفقرة والتعديل الجديد لا جدوى منه سوى التسبب في تأثير واضح بشرط العلانية؛ حيث إن المادة 268 من القانون بوضعها الحالي تعطي الحق للمحكمة بعقد الجلسة بشكل سري حال رؤيتها لذلك، مشيرين إلى أن المادة الحالية تنص على: "يجب أن تكون الجلسة علنية ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب أن تأمر سماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها". حقوقي في البداية، حذّر المحامي الحقوقي، أحمد حشمت، من التعديل الجديد على المادة حال الموافقة عليها من قِبل المجلس، مشيرًا إلى أن المواطنين سيشعرون وقتها بعدم وجود عدالة في المحاكمات؛ فالشخص الذي لا يعرف سبب إعدام أو سجن شخص آخر فلن تقع في قرينة نفسه وقتها أن المحاكمة عادلة بعكس ما إذا علم هذا الشخص بإجراءات المحاكمة من مواجهة المتهم ودفاع المحامين وأقوال المدعين بالحق المدني ومرافعة النيابة وأقوال الشهود وختامًا بصدور الحكم وقتها سيستقر بنفسه أن المحاكمة عادلة ولم تظلم المتهم. وأضاف حشمت أن التعديلات ستجعل الأصل في المحاكمات السرية وليس العلانية، بالمخالفة للمادة 187 من الدستور، بعدم نشر أي معلومات عن وقائع أي جلسة إلا بموافقة رئيس الدائرة، وبالتالي عدم إتاحة المعلومات مع التهديد بتوقيع العقوبات. وتابع: "أن الهدف هو منع تناول أي تفاصيل تتعلق بقضايا الإرهاب التي تصدر أحكامها مغلظة بطريقة يراها البعض مبالغًا فيها، والدليل على ذلك أن محكمة النقض تلغي معظم تلك الأحكام وتقضي بإعادة محاكمة المتهمين، مشيرًا إلى "خطورة غياب الرقابة المجتمعية على تلك القضايا، دون التأكد من أن المتهمين حصلوا على كل الضمانات اللازمة لمحاكمة عادلة من دفاع شامل وسماع كل الشهود من عدمه" مقارنًا بين ما يستهدفه هذا المشروع وما جرى في محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك على الملأ. وأكد حشمت أن حماية الشهود ليس معناها منع النشر والتغطية الإعلامية لقضايا الإرهاب، بل من الأفضل وضع مدونة لسلوكيات وتناول التغطية الإعلامية لها بأن يتم نشر أسماء الشهود من خلال "كود" بحروف مختصرة مثلما يحدث في قضايا العنف ضد النساء. واعتبر حشمت أن المشروع يهدف لاستمرار تغييب الرأي العام كما حدث بعدم بث جلسات مجلس النواب، مما يصدم المجتمع مباشرة دون مقدمات بالقوانين بعد صدورها، حتى دون علم المختصين بأعمالها التحضيرية. قانوني وقال المحامي أمير سالم، إن الأحكام التي تصدر بالجلسات من قبل القضاة تصدر باسم الشعب وهو صاحب المصلحة الأساسية بمتابعة سير العدالة وآليات عملها وأن سرية الجلسات حق يقتصر للقاضي في حالة وجود مشاكل زوجية أو أسرار خاصة بالعائلات وتجرح مشاعر المواطنين وأصحاب القضية لكن علانية الجلسات هي الجزء الجوهري وأحد أركان قانون الإجراءات الجنائية وأيضًا حق دستوري لا يملك أحد من السلطة القضائية أو التنفيذية مخالفته أو الالتفاف عليه؛ لأنه حق أصيل مقرر للكافة. وتابع: "أن حرمان وتقييد الصحافة من متابعة ما يجري في المحاكم والجلسات هو قيد آخر على حق دستوري آخر وهو حرية الصحافة والإعلام وحق الصحافة الحصول على المعلومات". وأضاف سالم أن المشروع بهذه الصياغة "يحمي أسرار التنظيمات الإرهابية ويؤثر سلبًا على الشعب الذي لابد أن يعرف طبيعة تلك التنظيمات وطريقة إعدادها لتلك العمليات الإرهابية تفاديًا لوقوعها"، مشددًا على أن "علانية الجلسات لا تقتصر على حضور جمع من المواطنين، بل لابد من ضمان حضور الصحافة والإعلام كوسيلة لنقل المعلومات للرأي العام". وأكد سالم أن التعديلات تخالف طبيعة قانون الإجراءات الجنائية وتجعله أشبه بنصوص الأحكام العرفية وتعطي إيحاء أن مصر في حالة حرب وهو ما يعيد إلى الأذهان قوانين الرقابة البريطانية التي وضعت في مصر بداية القرن العشرين على التلغراف والتليفون والكتب والصحافة بأي شأن يتعلق بالقوات البريطانية في مصر. خبراء إعلام من جانبه، قال الكاتب الصحفي أيمن الصياد، رئيس تحرير مجلة الكتب وجهات نظر، إن "القواعد العامة تقضي بأن الأصل في الأشياء الإباحة والحظر يجب أن يكون استثنائيًا ويقرره القاضي في الجلسة، ولكن التعديل المقترح يعامل النشر في القضايا كأكل الميتة، أو لحم الخنزير(حين يجعل الأصل هنا التحريم، ما لم تقم ضرورة لاقتراف الإثم، تسمح بإباحته". وأضاف الصياد: يبدو أن مُعدّي المشروع نسوا أو لم يلتفتوا إلى حقيقة أن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب كما تقول المادة 100 من الدستور، والإعلام هو أداة (الشعب) لمعرفة ما يجري بالمحاكم، متسائلاً: "لا أدري كيف يمكن أن تصدر الأحكام باسمه بعد أن يحظر التعديل المقترح نشر ما يدور بالجلسات، أو ما يتعلق بها". وأشار الصياد إلى أن التعديل فيه افتئات على حق القاضي في أن يأمر بحظر النشر في الدعوى ابتداءً أو "بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية" كما يقضي النص الأصلي المراد تعديله، موضحًا أن "التعديل للأسف يبدو وكأنه لا يثق في قدرة القاضي على أن يتخذ القرار الملائم بشأن علانية أو سرية الجلسات (مراعاة للنظام العام، أو محافظة على الآداب) كما يقضي أصل المادة المراد تعديلها". وأوضح الصياد أن حظر التعديل للتناول الإعلامي غير الأمين في القضايا (بمعنى أن تنسب إلى أحد ما لم يقله، أو تُدخل في النص ما ليس فيه) لا يحتاج إلى نص جديد لأنه مجرم أصلاً بموجب القانون العام. وأبدى الصياد خشيته من تأثير كثير من تشريعات السنوات الأخيرة على البنية التشريعية المصرية، ومدى ضمانها للعدالة، مختتمًا حديثه: "أن تحيد عن صحيح القانون هذا مرفوض، ولكن أن يذهب بك الأمر إلى تقنين ما يتعارض مع فلسفة القانون، وأهميته في إقرار العدل فتلك مصيبة". فيما قال ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، إن الأصل في الأشياء الإباحة ومبدأ علانية الجلسات هو أحد مرتكزات المحاكمات العادلة، لافتًا إلى أن علانية الجلسات لا تتحقق في الوقت الحالي بمجرد حضور عدد من أفراد الجمهور، لكن مفهوم العلانية يتحقق بالضرورة عبر نشر وسائل الإعلام لوقائع المحاكمات والقرارات الصادرة عن هيئات الحكم. وأضاف عبدالعزيز أن الإعلام يتفهم ويقدر أن هناك بعض القضايا لها طبيعة خاصة مثل القضايا المرتبطة بالإرهاب، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الفقرة المستحدثة بحظر نشر أي بيانات أو معلومات عن القضاة أو أعضاء النيابة العامة أو الشهود أو المتهمين في قضايا الإرهاب "تساعد على الحد من التدخلات غير القانونية، وتبقي أطراف المنازعة بمنأى عن التأثيرات غير القانونية لأعضاء الجماعات الإرهابية". ولفت إلى أن التعديل الجديد يحوّل حق علانية الجلسات الذي يمكن أن يقيده المنع الذي يصدر من القاضي؛ إلى منع القاضي الذي يمكن أن يستثنى بقرار منه ليسمح بعلانية الجلسة، وهذا خطأ، موضحًا أن المادة الحالية بقانون الإجراءات الجنائية تضع مسألة علانية الجلسات كحق أصيل بينما أجازت أيضًا للمحكمة أن تأمر سماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها مثل قضايا الأسرة. وأضاف: "التعديل قلب الآية وغير الاستثناء إلى وضع طبيعي، والأصح أن تظل الجلسات متاحة للعلانية إلا في الحالات التي يقدرها القاضي وهيئة الحكم وهذا استثناء للقاضي لا ينازعه فيه أحد". وتابع: "هذا تقييد لا عائد منه ولا محل له ونتيجته وضع مزيد من التضييق على مصادر المعلومات وحرمان الجمهور من حقوق أصيلة". ودعا عبدالعزيز الجماعة الصحفية لأن تسلك من خلال الأطر الفعالة سواء النقابة أو المنظمات المجتمع المدني، الطرق لرفض التعديل ورفع الصوت لإعادة الأوضاع لما كانت عليه، معللاً بأن التعديل يهدد بالنيل من القاعدة الدستورية وتقليص حقوق أساسية للجماعة الصحفية والأخطر يمكن أن يوثر في قدرته الجمهورية. من جانبه، دعا عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين، جموع وسائل الإعلام لرفض النص المقرر تعديله على القانون، مشيرًا إلى أن التعديل يتعارض مع حرية الصحافة وحق النشر المكفول دستوريًا. وأضاف بدر أن التعديل الجديد على القانون المقترح والذي وافق اللجنة التشريعية عليه في الفترة الأخيرة يجعل حظر النشر هو الأصل وليس الاستثناء وهو أمر غير مقبول وغير مفهوم، مؤكدًا أن نقابة الصحفيين تسعى لإرسال خطاب من مجلس النقابة للبرلمان لسحب النص وتعديله وستتم مناقشة النص في أول اجتماع للمجلس.