(1) يهل علينا ذكرى يوم الكرامة، يوم 25 يناير، ومصر – فضلًا عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية – في غيبوبة فكرية لم أعلم أنها مرت بها من قبل. (2) دعك من المجاذيب الذين يملؤون الشاشات ويطلون على الملايين بينما كان يجب أن يكون مكانهم خلف أسوار مستشفيات الطب النفسي، ومنهم مذيعين ومنهم رؤساء أندية ومنهم فنانين ورياضيين وغيرهم. (3) ودعك من مهاويس الشهرة الذين يخرجون على الناس بتخاريف رغبة في الذكر، ومن ذلك القول أن المسجد الأقصى في مكة، وأن الطلاق مرتان وليس ثلاث مرات، إلى آخر هذه الترهات. (4) المشكلة الحقيقية أن الغيبوبة انتقلت إلى الكتاب والمفكرين الطبيعيين، فأن يظهر خلال عام واحد مئات - إن لم يكن الآلاف- مما يسمى بروايات الرعب، وأن تظهر موضة - أو (شوطة) - عند الكتاب لإخراج ذلك، فهذه هي الغيبوبة الفكرية التامة. (5) إنه الهروب من الواقع إلى الغيبوبة، وليتها غيبوبة رومانسية أو راقية يتصبر المرء بها عن واقعه، لكنه هروب يداوي بالداء، وبدلًا من مواجهة الرعب الحقيقي المتمثل في الفساد السياسي والاقتصادي والإجتماعي فإنه يتوارى في قصص بلهاء تخلط ما بين الجن والجنون والسفاحين والأساطير والخيالات والخزعبلات....إلخ. (6) نتفهم أن يلجأ الكتاب في أجواء التقييد إلى الهروب، لكن الهروب في الماضي كان له احترامه وتقاليده، وكان مدويًا، مثل الكتابة الرمزية التي أخرجت لنا: ثرثرة فوق النيل، وبنك القلق، وشيء من الخوف، أما أن يكون الهروب إلى الأشباح والعفاريت فهي – في رأيي – مشاركة في الفساد وتغييب العقول. (7) الكتابة ليست هدفًا مطلوبًا لذاته، وإنما هي أمانة يأتمن فيها القارئ الكاتب على ساعات وربما أيامًا هي حياته، فلينظر كل كاتب ماذا قدم لقارئه مقابل الحياة التي قدمها القارئ للكاتب، ولينظر أي سقيا سقاها لعقل ووجدان قارئه، فإن الله قد علم بالقلم، فالقلم للتعليم، وليس للتجهيل والتغييب. [email protected]