اتصالات لدعوة «فتح» و«حماس» لجولة طارئة من الحوار.. وورقة تسوية حول الملفات الخلافية بين الطرفين تُسابق جهات سيادية مصرية الزمن لإنقاذ اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم توقيعه بين حركتي "فتح" و"حماس" في القاهرة خلال الأسابيع الماضية، بعد مرور بعثرات عديدة، وسط مخاوف من عودة الانقسام الفلسطيني للمربع الأول، في ظل الخلافات التي اشتعلت أخيرًا بين الطرفين حول الموظفين، وأثناء وجود الوفد الأمني في قطاع غزة لمتابعة الالتزام ببنود اتفاق المصالحة. وعمل الوفد المصري خلال وجوده في غزة على تطويق أزمة "الموظفين المستنكفين"، الذين انقطعوا عن مباشرة أعمالهم داخل المؤسسات الفلسطينية بعد سيطرة "حماس" على القطاع عام 2007، وتفكيك الأزمة التي اندلعت عقب قرار حكومة التوافق بقيادة رامي الحمد الله بعودة جميع الموظفين إلى دوائر أعمالهم بالمخالفة لاتفاق المصالحة الذي رعته مصر، الذي أوكل مهمة أعمالهم إلى لجنة إدارية بحسب احتياجات كل وزارة أو مؤسسة حكومية. وطرح الوفد المصري، صيغة توافقية لحل الأزمة، تقضي بأن تكون العودة مرتبطة بحالة كل وزارة أو مؤسسة، مع ضمان ألا تمس هذه العودة بمن تمّ تعيينهم خلال سيطرة "حماس" على القطاع، فضلاً عن دمج هؤلاء الموظفين في الجهاز الإداري للسلطة، والتزام حكومة حمد الله بدفع رواتبهم، بحسب جلسة الحوار الأخيرة في القاهرة التي شهدت نوعًا من التوافق حول هذا الملف. وفي ظل وجود تباينات حول المصالحة واتهامات متبادلة بعدم احترام اتفاق المصالحة، وحديث بعض مسئولي "فتح" عن تشكيل "حماس" إدارة موازية في القطاع تعمل بالتزامن مع حكومة الحمد الله، وهو ما نفته "حماس"، فقد رأت القاهرة ضرورة تأجيل تسلم حكومة الوفاق لقطاع غزة كما كان مقررًا في مطلع ديسمبر إلى العاشر من نفس الشهر لإعطاء الفرصة لجهودها لتؤتي ثمارها. يأتي هذا في الوقت الذي رجحت فيه مصادر دبلوماسية، إمكانية دعوة القاهرة الطرفين لجولة جديدة من الحوار تسبق موعد العاشر من ديسمبر، الذي كان محددًا سلفًا لجمع الفصيلين الكبيرين بمصر، للبحث في سبل تفعيل المصالحة الفلسطينية، وترجمة بنودها إلى أرض الواقع وتقييم التزام كل طرف بما اتفق عليه، وتفكيك كل المشكلات التي تحول دون تحقيق المصالحة. ولا تقتصر الخلافات على ملف الموظفين، بل تمتد إلى ملفات أخرى أكثر تعقيدًا؛ منها ملف رفع الحصار عن قطاع غزة المفروض منذ 11عامًا وإلغاء العقوبات المفروضة على القطاع من قبل السلطة الفلسطينية، وضمان تشغيل آمن ومستمر لمعبر رفح، فضلاً عن هيكلة الأجهزة الأمنية وإبعادها عن الخلافات الفصائلية، ناهيك عن إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وفقًا لتطورات المشهد السياسي الفلسطيني. وكشفت المصادر عن اعتزام مصر، الدخول بقوة على خط الأزمة عبر طرح ورقة لتسوية جميع الملفات الخلافية، في ظل قلق مؤسسات سيادية مصرية من تعثر المصالحة وعودتها للمربع الأول، مع تواتر أنباء عن ضغوط تمارس على "حماس" من قوى داعميها التقليديين لعرقلة المصالحة، فضلاً عن ممارسة ضغوط على السلطة؛ للجم العناصر المناهضة للمصالحة داخل حركة "فتح". وتضغط مصر في هذا السياق للتماهي مع مقترح تدعمه لتشكيل لجنة فصائلية؛ لدعم جهود الوفد الأمني المصري المكلف بمراقبة وتقييم التزام كلا الطرفين بتنفيذ بنود المصالحة، مع التعويل على قدرة هذه اللجنة على تسوية أي خلافات تطرأ على تنفيذ بنود المصالحة على أرض الواقع. فيما يعول الدكتور طارق فهمي، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، على دعوة القاهرة المرتقبة ل "فتح" و"حماس"؛ للاجتماع في القاهرة والوصول لتسوية للملفات العالقة التي حالت حتى الآن دون تمكين حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على غزة وتسوية جميع المشكلات، ومنها رفع العقوبات عن القطاع وضمان تشغيل مستمر لمعبر رفح وتسوية ملف الموظفين وصولاً للملف الأمني المثير للجدل. وبدا فهمي قلقًا حول ملف المصالحة الفلسطينية، إذ قال في تصريحات إلى "المصريون"، إن "القاهرة ستلقي بثقلها خلف جهودها لتفعيل المصالحة الوطنية وقطع الطريق على أي محاولات لعرقلة المصالحة الفلسطينية"، مشيرًا إلى "قدرة القاهرة على طرح رؤى تحظى بموافقة كل من فتح وحماس وتقود المصالحة الفلسطينية لبر الأمان". فيما اعتبر الدكتور عاطف السعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، الخلاف حول مصير الموظفين بين "فتح" و"حماس"، علامة قلق كبيرة على المأزق الذي يواجه الجهود المصرية لتفعيل المصالحة الفلسطينية؛ حيث تسعى القاهرة لضمان وجود شراكة وطنية بين الحركتين وإلزام الطرفين بالوصول لصيغ توافق في الملفات الخلافية. وأوضح أن "الخلافات تمتد لكيفية هيكلة الأجهزة الأمنية وإعطائها طابعًا وطنيًا بعيدًا عن المحاصصة الفصائلية، والاعتراض كذلك على استمرار حمد الله على رأس حكومة الوحدة الوطنية، المزمع تشكيلها في ظل اتهامات حماس له بوضع عراقيل أمام رفع الحصار عن القطاع ومعه العقوبات الإدارية المفروضة عليه، إلى جانب ملف الموظفين وهي ملفات معقدة يمكن أن تعرض المصالحة الفلسطينية لخطر كبير". ورجح السعداوي دخول أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل؛ "حيث تسعيان لعرقلة المصالحة والتذرع بغياب الشريك الفلسطيني للهروب من استحقاقات التسوية، بل أن واشنطن لا تخفي تحفظها على تسارع ملف المصالحة، فضلاً عن ضغوط أطراف عربية على عباس لتمرير صفقة القرن، على الرغم من المخاوف من تصفيتها للحقوق الفلسطينية وهي كلها ملفات تضع مصير المصالحة الفلسطينية على المحك وتفرض تحديات على الجانب المصري للعبور بالمصالحة لبر الأمان".