تصاعد هجمات المقاومة الأفغانية بصورة غير مسبوقة بات يشكل كابوساً مزعجاً ليس فقط على حكومة كابول، بل أيضاً للقوات الأمريكية وقوات الناتو، التي أصبحت في مأزق، بسبب تزايد حجم خسائرها جراء اعتداءات رجال المقاومة، وفشلها في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار المنشود للبلاد، والتخلص من جماعات المقاومة المسلحة، التي بدأت تركز على أسلوب حرب العصابات، وإقامة الأكمنة على الطرق لاستهداف رجال الشرطة الأفغانية والقوات الأمريكية وقوات الناتو أيضاً، إلى جانب الهجمات الفدائية، والتفجيرات عن بعد، والتي انتقلت من العراق إلى أفغانستان. إذا كانت الولاياتالمتحدة قد تمكنت من إسقاط نظام حكم طالبان، وتشكيل حكومة جديدة عبر آلية الانتخابات، على غرار ما حدث في العراق، فإنها لم تستطع القضاء على مقاتلي طالبان ورجال المقاومة الإسلامية، الذين يلقون الدعم والمساندة عبر أمراء الحرب في أقاليم مختلفة من أفغانستان، فضلاً عن تحصنهم في المناطق الجبلية الوعرة على الحدود مع باكستان بمساعدة قبائل البشتون. خلال الشهور العشرة الأولى من العام الجاري، قتل 87 جنديا أمريكيا على يد المقاومة الأفغانية، وهذا الرقم يقترب من نصف عدد القتلى الأمريكان في أفغانستان طوال السنوات الأربع الماضية والبالغ 186 جندياً. ويرجع التزايد في عدد الضحايا الأمريكان إلى قيام عناصر المقاومة الأفغانية بتطوير التكتيكات المستخدمة في الهجمات المسلحة، بما جعلها أكثر قدرة على تكبيد هذه القوات خسائر فادحة في الجنود والمعدات. في 25 سبتمبر الماضي، تمكن رجال المقاومة من إسقاط طائرة هليكوبتر أمريكية في إقليم "زابل" وقتلوا خمسة جنود أمريكان. وقد علق الجنرال الأمريكي "دونالد بولديك" قائد إحدى وحدات الجيش الأمريكي في أفغانستان على قوة وشراسة المقاومة الأفغانية قائلاً "إن هؤلاء المقاتلين يختلفون عن غيرهم من الجنود الذين رأيناهم من قبل، فلديهم إصرار كبير على تحقيق أهدافهم بأي ثمن، حتى لو كانت حياتهم نفسها". مدينة كابول وما حولها تعيش نوعاً من الاستقرار ولكنه استقرار هش، فهجمات رجال لمقاومة يمكن أن تندلع في أية لحظة. وعلى سبيل المثال، عندما زارت وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" أفغانستان في 12 أكتوبر الماضي، قام رجال المقاومة بإطلاق ثلاثة صواريخ على قلب العاصمة، وقتلوا 18 من رجال الشرطة الأفغانية. ويذكر أن أكثر من 20 شرطيا أفغانيا لقوا حتفهم هذا العام فقط على يد المقاومة المسلحة. وفي 2 أكتوبر أيضاً قتل أحد موظفي الإغاثة الدوليين عندما أطلق مسلح يقود دراجة نارية عليه النار. الهجمات "الفدائية" هي الأخرى تزايدت بشكل واضح، ويكفي أن نشير إلى وقوع هجوم من هذا النوع خلال العام الجاري، وهو رقم غير مسبوق منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 21، ويمثل ضعف عدد الهجمات الفدائية المنفذة خلال العام 2004. ويبدو أن تكتيكات المقاومة العراقية بدأت تعرف طريقها إلى أفغانستان. آخر هذه الهجمات شهدتها أفغانستان يومي 14، نوفمبر الجاري.الهجوم الأول حدث عندما اقتحم اثنان من مقاتلي طالبان مقر قوات الناتو بسيارتين محملتين بالمتفجرات، وأسفر الهجوم عن مقتل جندي ألماني وأربعة مدنيين عراقيين، إضافة إلى منفذي الهجوم. أما الهجوم الثاني فقد وقع عندما اقتحمت سيارة أجرة مليئة بالمتفجرات مقراً للقيادة الأمريكية في قندهار، وأسفر الهجوم عن مقتل مدنيين عراقيين وقائد السيارة. الحكومة المركزية في كابول غير قادرة على الحد من هجمات رجال المقاومة، الذين يلقون الدعم والمساندة من أمراء الحرب وبصفة خاصة في أقاليم أفغانستان الريفية، التي يسيطر عليها هؤلاء الأمراء بعيداً عن سلطة حكومة كابول، وبعض هؤلاء الأمراء خاضوا الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتمكنوا بالفعل من الفوز بعدة مقاعد. ومما يزيد من قوة هؤلاء الأمراء أنهم منخرطون في تجارة المخدرات، وبصفة خاصة الأفيون، حيث تقدر بعض التقارير الغربية حجم الأموال التي يحصلون عليها من وراء هذه التجارة بعدة مليارات من الدولارات، ومن ثم فهم يلجأون إلى دعم ومساندة بعض الجماعات المسلحة، من أجل إضعاف سلطة الحكومة المركزية. الولاياتالمتحدة وحلفاؤها استخدموا أمراء الحرب لتأمين الاستقرار في البلاد عقب سقوط نظام طالبان، وفي حشد التأييد للرئيس حامد قرضاي خلال انتخابات الرئاسة، وأجزلوا لهم العطاء، فكانت النتيجة هي ترسيخ قوتهم وتعزيز نفوذهم في الأقاليم التي يسيطرون عليها بعيدا عن الحكومة المركزية. مع تزايد حالة عدم الاستقرار في أفغانستان، وفي ظل غياب حكومة مركزية قادرة على فرض سيطرتها على أقاليم الدولة المختلفة، وإصرار أمراء الحرب على الاستقلال بالأقاليم الخاضعة لسلطانهم، فإن هجمات رجال المقاومة مرشحة للتزايد خلال الفترة المقبلة، لاسيما مع إفراط القوات الأمريكية في استخدام القوة ضد المدن والقرى الأفغانية، وتعاطف المواطنين مع قادة المقاومة، الذين باتوا يستغلون ممارسات قوات الاحتلال غير الأخلاقية وما تقوم به من أعمال تعذيب وحشية وإهانة وانتهاك لآدمية الأسرى والمعتقلين داخل وخارج أفغانستان، من أجل حشد الشعب الأفغاني ضد سياسات قوات الاحتلال وحكومة قرضاي الموالية لها. المصدر : العصر