أيام مشحونة بأحداث عظيمة، ليس المقصود منها إرباك المشهد السياسى كما يظن بعضنا، وإنما هى شاهد على انهيار صانع القرار والمسئول عن المرحلة الانتقالية؛ ارتباك أتى من عدم إخلاصه، وبسبب إصراره على عدم الوفاء بوعود ألزمه الشعب بها, وادعى الالتزام بها. "العسكرى" الآن يفضح نفسه, ويكشف كل أوراق لعبه دفعة واحدة، ويواصل الليل بالنهار عملاً وفزعًا للحفاظ على "ضيعته" التى اقتنصها من "مبارك" على أجساد الشهداء, مجهضًا - بتصوره- أحلام الثوار، ومتصورًا بأنه سيخدع الجميع بمجرد تركهم يتظاهرون فى الميادين، ثم يهدأون، ومحاولة ترتيب اللعبة مع "الإخوان" الذين خذلوه من أول دقيقة وحتى آخر نفس, ومدوا حبال الصبر لكنهم استعصوا على الضغط, واحتقروا صفقات الظلام، وانحازوا لمطالب الشعب. نظم "العسكرى" صفوفه وقرر حربًا إستراتيجية على ما تصور أنه المعقل الأخير للثوار وهم "الإخوان"؛ وقام بحملة متوازية فى جميع الاتجاهات:- أولا: عقد الصفقة مع رجال أعمال "مبارك" بأن يحميهم وأموالهم من بطش الثوار, ومن طائلة القانون.. فى مقابل أن يجندوا طاقاتهم الإعلامية لتشويه "الإخوان"، وطاقاتهم المالية لتزوير إرادة الناخبين لاختيار "شفيق". ثانيًا: استخدام حكومة "الجنزورى" لاختلاق الأزمات المعيشية, وتحميل مسئولية ذلك "لمجلس الشعب"؛ وذلك بتزييف وعى الجماهير التى لا تتحمل تفسيرات سياسية تحدد دورًا تشريعيًا ورقابيًا فقط "للبرلمان" ودورًا تنفيذيًا على "الحكومة", بسبب صعوبة الحياة التى تجعلهم ينتظرون الإصلاح بمجرد انتخاب "برلمان حر", وركز "إعلام العسكر" ضرباته على المواطنين, مما كاد يعرضهم لحالة اليأس من الإصلاح إذ لم يروه ماثلاً – وفورًا - أمام أعينهم، رغم كوننا فى عز مراحل الأمل. ثالثًا: استخدام "القانون" كمطية تعيده إلى الملعب بعد كل هزيمة، إذ كان من الممكن المرور بسلام من أزمات "التأسيسية" و"دستورية ثلث مجلس الشعب"، لولا استخدام "العسكرى" للقانون كأداة لإرباك المشهد متناقضين مع دور القانون تمامًا الذى من شأنه إسباغ الاستقرار على المناخ الوطنى، وكل ذلك للضغط على "الإخوان" والقوى السياسية لضمان "عسكرة الدستور" وخضوع العملية السياسية برمتها- مستقبلا- للحاكم العسكرى على شاكلة "تركيا أتاتورك". ويجدر بنا أن نتذكر فى هذه الآونة أنه لولا قرار "الإخوان" بخوض انتخابات الرئاسة لأصبحت الثورة بلا ممثل فى العملية السياسية، ولكانت ثورة مصر قد سارت على خطى النموذج الرومانى الذى لفتنا النظر إليه مرارًا وتكرارًا، وهو النموذج الماثل بقوة فى عقل وحلم "العسكر", ويتصورون أنه الأمل الوحيد فى (البقاء المسيطر)، مراهنين على بث الملل فى نفوس الثوار.. واليأس فى قلوب الجماهير. ومن هنا فإن مواجهة المخطط الشيطانى "للعسكرى" تقتضى الآتى: أولا: التفاف الشعب بكل طاقاته وقواه الفاعلة حول "د.مرسى" لضمان توازن القوى بين "الثورة" و"العسكرى"، ثم بدء مرحلة انتقالية حقيقية، موقنين حينها أن الاتفاق سيكون ميسورًا بسبب الخبرات الهائلة التى تراكمت لدى الجميع فى الأشهرالماضية, وبسبب معرفة الأحجام الحقيقية للقوى الثورية والقوى المعادية للثورة, وبمراجعة كل فصيل لمواقفه وتقويمها ومعرفة (أين كان الخطأ وأين كان الصواب) عبر المسيرة الماضية. ثانيًا: الإصرار على المضى فى كتابة "الدستور" عبر "الهيئة التأسيسية" التى أفلتت من الفخاخ القانونية "للعسكرى" و"المحكمة الدستورية", ومواجهة محاولات طمس هوية الشعب دستوريًا، أو تدمير "الدستور" بمحاولة عسكرته. ولنعلم أن هذه هى القضية الكبرى بين "الثوار" وخصمهم "العسكرى" وأذنابه، لذا فلا ينبغى أن تنشب المعارك بين الثوار وأنفسهم مهما اختلفت رؤاهم وخلفياتهم الفكرية، وعليهم أن يعلموا سلفًا أن جميع أشكال الضغوط ستمارس من أجل تحرير دستور بخلفية عسكرية أو علمانية, وإلا سيكون الإسلاميون متهمين بمحاولة أسلمة الدستور, هذه هى المعركة القادمة، وبالتالى فعلى الجميع أن ينتبه لهذه الفخاخ وعدم الانسياق وراءها. ثالثًا: الالتفاف حول "أعضاء مجلس الشعب"، وتثبيت وضعهم كممثلين حقيقيين للشعب، لتظل السلطة التشريعية بيد الثوار، وتفويت الفرصة على انفراد "العسكرى" بالتشريع مرة أخرى. رابعًا: الإصرار على تسليم السلطة فى موعدها للرئيس المنتخب, والذى حتمًا بمشيئة الله سيكون مرشح الثورة, ليستكمل هو عناصر المرحلة الانتقالية والإشراف على الانتخابات. من منظورى.. فقد أصبح انتخاب "د. مرسى" أملاً قوميًا وهدفًا وطنيًا، وواجبًا ثوريًا، واستقواءً بالوحدة وقت الشدة. ولم تعد القضية: "مَنْ الأفضل كمواصفات شخصية.. رغم كونه الأفضل" ولم تعد القضية: "مَن الذى يملك برنامجًا أفضل... رغم أن برنامج النهضة هو الأفضل. ولم تعد القضية: "هل نعطى الإسلامى أم نخاف منه، رغم أن الإسلامى يحمل الأمن والأمان ويبشر بالسلام. لم تعد.. ولم تعد.. عادت القضية مختصرة وواضحة وضوح الشمس فى رائعة النهار: مَن مع الوطن.. ومَن مع خصوم الوطن؟ [email protected]