يمر الشعب المصرى بواحدة من أدق وأهم مراحل تاريخه حين يتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع ليقطفوا ثمرة ثورتهم المجيدة إذ سيتمكنون للمرة الأولى من انتخاب رئيس مصر بمطلق إرادتهم الحرة، ويبقى الاختيار فى جولة الإعادة بين تيارى الثورة والثورة المضادة، ورغم وضوح الفارق الفج بين التيارين وبين الرجلين بتاريخهما المعروف، فإن الإعلام الحكومى والخاص بفضائياته وصحفه فى معظمها تشن أكبر حملة تضليل للشعب منذ نكسة يونيه 67، حين تساوى بين الرجلين فيصر الكثيرون على صعوبة الاختيار أو أن كلاهما خيار مر أو أننا مخيرون بين الدولة المدنية المزعومة (دولة مبارك) والدولة الدينية المتوهمة فى خيالهم، فيما يبدو إصراراً على دفع العقول للوقوع فى فخ المساواة بين خيارين هما فى الحقيقة على طرفى نقيض. لقد سقطت الأقنعة عن العديد من الوجوه السياسية والإعلامية التى ادعت الليبرالية أو الثورية فبعضهم تجرأ وأعلن دعم تلميذ المخلوع بصراحة (الغزالى حرب – يحيى الجمل.. وغيرهم)، أما معظمهم فهو يحارب لبقاء النظام الفاسد بافتعال الحياد مع التركيز على تساوى المرشحين فى السوء أو بالدعوة للمقاطعة أو إبطال الأصوات (إبراهيم عيسى – عبدالله السناوى – عمرو حمزاوى - .. وغيرهم)، وآخرون يتنافسون مع مؤتمرات شفيق اليومية فى الهجوم على الإخوان تحت دعاوى باطلة وواهية وصلت من الفجاجة والاستهزاء بعقول المصريين إلى حد اتهام الإخوان (الذين شهد لهم خصومهم بدفاعهم عن الثورة باستبسال) بأنهم قاموا بقتل شبابهم وشباب الثورة فى موقعة الجمل!!!!!! ويبقى الخطر الأكبر هو احتشاد مؤسسات الدولة العميقة المتغلغلة فى وزارات كالداخلية وشبكة الفساد التى تجمع بين رجال أعمال وأعضاء الحزب الوطنى المنحل ومديرى مؤسسات وعمد ومشايخ يتم الضغط عليهم بالترغيب والترهيب لانتخاب مرشح أسرة مبارك كى يحافظ على منظومة الفساد والقمع التى أدارت معظم وزارات ومؤسسات الدولة المصرية فى العقدين الأخيرين، ناهيك عن دعم واضح من القوى الغربية المهيمنة على المنطقة وربيبتهم إسرائيل التى أعلن الكثير من قادتها سعادتهم الغامرة بفرصة شفيق فى النجاح للحفاظ على تبعية مصر لسياساتهم، وأكدوا أنه يُعدُ ذخراً إستراتيجياً لهم تعويضًا عن كنزهم الشهير سجين طره. إن كل مصرى شريف يقف بين خيارين واضحين متناقضين، الأول د.محمد مرسى المرشح الذى تم اعتقاله قُبيل جمعة الغضب 28 يناير ابن الثورة الذى يحمل مشروع نهضة وتقدم الوطن فى ظل العدل والحرية والمساواة والبذل فى سبيل رفعة أبناء مصر. والثانى شفيق صديق مبارك الذى استعان به فى 29 يناير كرئيس وزراء ليجهض الثورة فأشرف على موقعة الجمل 2 فبراير لقتل الثوار وتثبيت أركان حكم المخلوع، فمهما قيل عن أخطاء ارتكبها الإخوان فى التعاطى مع المرحلة الانتقالية فيبقى الخيار أخلاقياً واضحاً بين إحياء لماض مظلم وبين مستقبل نصنعه بأيدينا ونمنحه الشرعية ونراقبه ونحاسبه. فكلمة للإسلاميين أن وحدوا جهودكم وأخلصوا عملكم واحشدوا جمهوركم وابذلوا غاية جهدكم، فأنتم أكثر من عانى القهر والاضطهاد فى سجون الطغيان، اصدقوا الله يصدقكم وأنتم مع محبيكم من الشعب المصرى تملكون ترجيح كفة مصر الثورة. وكلمة للتيار المدنى بجمهوره الواسع أن اصدقوا فى حبكم لمصر وقدموا مصلحتها على الخلافات الأيديولوجية والسياسية وفرقوا بين من أجرم بارتكاب الخطايا ومن اختلف معكم بفعل الأخطاء، وأدركوا حكمة المناضل الشهير (مارتن لوثر كنج): إن أسوأ مكان فى الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد فى أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة. وكلمة للشعب المصرى كله، أن انصروا ثورتكم التى وقف لها العالم مشدوهاً ولا تسمحوا بعودة المستبدين، وتذكروا قوله تعالى: ((إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)) ( الكهف:20).