أسالت الأحداث المأساوية التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس وبعض الضواحي الأخرى مؤخرا الكثير من المداد في الصحافة الفرنسية ، التي أخذ العديد منها يتساءل حول موقع المهاجرين في فرنسا، خاصة أولئك المنحدرين من منطقة المغرب العربي، حيث تساءل البعض عما إذا كان النموذج الفرنسي في التعايش السلمي بين المهاجرين أبناء الجيل الثاني ، وباقي الفرنسيين قد انتهى ؟ وما إذا كان على الثقافة الفرنسية أن تتغير من الداخل، قصد إعادة النظر بشكل موضوعي في ظاهرة الهجرة التي هي جزء من المجتمع الفرنسي ؟ فيما تسائل البعض الآخر عما إذا كان من شأن تلك الأحداث المؤسفة أن تؤدي إلى بعث العنصرية من جديد وسط الفرنسيين ، وتزيد من"شعبية" اليمين المتطرف الذي يشكل جان ماري لوبين رمزه التاريخي . وقد خصصت يومية"لوموند" يوم 15 نوفمبر 2005 ملفا كاملا من صفحتين ضمن ملحقها الاقتصادي الأسبوعي تحت عنوان"الأرقام التي تفسر غضب أبناء المهاجرين"، قدمت فيه بعض الأرقام والمعطيات التي تظهر انتشار العنصرية في فرنسا إزاء المهاجرين وخاصة من أصول مغاربية . الصحيفة قالت إن قضية المهاجرين المغاربيين بوجه الخصوص باعتبارهم الأقدم تواجدا والأكثر حضورا ، بحكم العلاقات الاستعمارية بين فرنسا من جهة ، والجزائر والمغرب من جهة ثانية تكتنفها طبقة سميكة من الغموض ، وربما هناك"مؤامرة صمت" تحيط بها، حيث إن القانون الفرنسي يمنع التطرق إلى الأصول العرقية أو الدينية فيما يتعلق بقضايا المجتمع الفرنسي مثل الشغل والسكن والصحة والمدرسة، الأمر الذي يحول دون معرفة الظروف المعيشية الحقيقية للمهاجرين. وهو نفس ما تحدثت عنه مجلة"لكسبريس" الفرنسية الأسبوعية في عددها الأخير تحت عنوان"هل يجوز إحصاء العاملين بحسب انتماءاتهم العرقية؟"، قائلة بأن ذلك في رأي الدولة الفرنسية يتعارض مع قوانين الجمهورية التي تقضي بمساواة جميع المواطنين ، وتنطلق من ثلاثية الثورة الفرنسية"إخاء، مساواة، عدالة". اعتمادا على تقارير المعهد الفرنسي للإحصاء، فإن عدد المهاجرين في فرنسا عام 1999 وصل أربعة ملايين ونصف مهاجر، وتعني كلمة "مهاجرين" الأشخاص المولودين خارج فرنسا ، سواء كانوا حاصلين على الجنسية الفرنسية أم لا، أما كلمة"غرباء" فهي تعني المهاجرين غير الحاصلين على الجنسية الفرنسية ، بينما تعني عبارة"الجيل الثاني" من المهاجرين أولئك المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا من أبوين أو أحدهما على الأقل مولود خارج فرنسا . وتنقل "لوموند" عن مغربي مقيم في فرنسا قوله"إن لوننا هو مشكلتنا"، وتضيف بأن السياسيين الفرنسيين يتعاملون مع موضوع الهجرة والمهاجرين بكثير من التحفظ ، و"يختارون كلماتهم بعناية" لحساسية القضية في المجتمع الفرنسي" لكن ذلك لا يحجب الحقيقة الناصعة "لأن الحصول على عمل هو أمر أصعب بكثير إذا كان اسمك محمد ، مما لو كنت تدعى جواو أو كيينتين". وتنقل الصحيفة عن "المعهد الفرنسي للدراسات السكانية" أن البطالة في صفوف المهاجرين المغاربيين تصل إلى نحو 79 % ، مقابل 49 % في صفوف المهاجرين البرتغاليين مثلا ، وهذه النسبة لا تعود إلى"مميزات شخصية" للفرد المهاجر مثل شهادته الجامعية مثلا ، أو سنه ومؤهلاته الأخرى، بقدر ما تعود بالدرجة الأولى إلى انتمائه العرقي والديني ولونه، "فالفجوة الاجتماعية تصل مستويات مثيرة فيما يخص المهاجرين غير الأوروبيين، وتصبح أكبر في حالة المغاربيين والأتراك والأفارقة". وتشير الصحيفة إلى أن الشباب المهاجر في فرنسا من أصول مغاربية أو تركية يعيش في ظل ظروف اجتماعية صعبة، حيث إن دخل العاملين منهم يقل بأكثر من 20 % عن الفرنسيين، وفي المقابل تعيش أكثر من 20 % من العائلات المهاجرة ذات الأصول المغاربية أو العرقية تحت خط الفقر، أي أقل من 602 يورو شهريا، مقابل الفرنسيين الذين تصل النسبة بينهم 6 % فقط . ويقيم نصف هؤلاء المهاجرين في السكن الاجتماعي للدولة، وهي مساكن صغيرة، و40 % منهم يعيشون بشكل متزاحم ، مقابل 5 % بين غير المهاجرين، و يستفيدون من الضمان الصحي بشكل أقل من الفرنسيين، وبعضهم يعيش على ما تقدمه بعض الجمعيات الخيرية. وترى الصحيفة أن الإحصاءات المرتكزة على الأصول العرقية في مجالات العمل تمثل"ثقبا كبيرا في الإحصاء الوطني"، لأن غياب الأخذ بهذا المعيار يغطي حقيقة الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين ، وبالتالي يعوق التعاطي الموضوعي معها في حال الرغبة في تصحيح الخلل، لكنها تختم ملفها قائلة بأن الأحداث الأخيرة في باريس ، من شأنها أن تدفع بهذه القضية للواجهة ، وتسلط الضوء على "المسكوت عنه" فيما يتعلق بمنهجية التعاطي الرسمي مع مشكل المهاجرين في فرنسا المصدر : الاسلام اليوم