من صانع الاسلاموفوبيا في فرنسا. النخب من المفكرين والمثقفين وما ينقلونه عبر وسائل الأعلام؟..ام أصحاب المصالح السياسية المتحكمة في مقاليد السلطة ؟..ام المسلمون أنفسهم فالإسلام الذي يتبوأ المرتبة الثانية في فرنسا بعد ديانة الدولة الأصلية. المسيحية أصبح واقعا ولا مفر, ذلك بتزايد اعداد المسلمين يوما تلو الاخر, وان كانت علمانية الدولة تعوق احصاء الفرنسيين علي اساس العرق او الديانة الا ان كثيرا من التوقعات تقر بان أعدادهم لا تقل عن ست او سبعة ملايين مسلم. والاسلاموفوبيا ومعناها حسب جذورها اليونانية الخوف او الهلع اللاشعوري او اللامبرر من الاسلام, هو واقع تعيشه الجاليات المهاجرة من المسلمين بفرنسا, وبشهادة واحد من أهلها من الذين اهتموا بنقل الحقائق من خلال البحث والتأريخ لبداية هذه الظاهرة بفرنسا نستعين ببعض السطور التالية التي جاءت في كتاب ز ست ز س لبداية الإسلاموفوبيا لفترة1975 2005. حيث ان المسلمين منذ ثلاثين عاما كان يطلق عليهم المهاجرون او العمالة الاجنبية دون التطرق الي الديانة. والكاتب يري انها ظاهرة تعود بجذورها إلي فترة الاستعمار. فقد اكد دلتومب في اطروحته علي ان هناك مؤثرين أساسيين عملا علي ترسيخ الاسلاموفوبيا في اذهان الفرنسيين إحداهما داخلي والآخر خارجي. فعلي المستوي الداخلي حرص الإعلام طوال30 عاما علي نقل صورة معقدة وتنم عن عدم معرفة كافية بالإسلام وخاضعة لتأويلات متعددة. اما علي المستوي الخارجي فان الأحداث المرتبطة بالإسلام ألقت بظلالها علي ترسيخ افكار ترهب الفرنسيين منه منها أحداث الثورة الإسلامية في إيران, هذه الثورة التي حدثت باسم الدين والتي قامت حول شخصية متفردة اسمها آية الله الخميني طبعت لمدة طويلة العقول وساهمت في إعادة تشكيل المشهد الثقافي الفرنسي عبر مقولة إنها عودة الإسلام. وخص توماس هذه الفترة من التسعينيات وما حدث من الحرب الأهلية الجزائرية بين الجماعات المتشددة الإسلامية والجيش الجزائري, وحوادث تفجيرات الطائرات, وقتل الابرياء بالتفجيرات الارهابية التي عانت منها باريس في تلك المرحلة. مؤرخا لثلاثة عقود من القرن( السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات) بتتبع دقيق لكل ما نشرته الأخبار التلفزيونية والحوارات والمقالات الصحفية الفرنسية التي غطت أحداث العالم الإسلامي وتداعياتها علي الداخل الفرنسي.وأرجئ بداية التأريخ لتشكل الخطاب الإسلاموفوبي في فرنسا الي فترة المقاطعة النفطية إبان حرب أكتوبر سنة1973 وما كان لها من تداعيات هزت فرنسا والغرب. ولم يغفل الباحث التطرق الي الاحداث التي شكلت صورا في مخيلة الفرنسيين عن الاسلام متناولا المظاهرات التي نظمت في فرنسا ضد رواية آيات شيطانيةلسلمان رشدي سنة1989, وكيف ان المسلمين يريدون اهدار دمه. وما شهدته فرنسا في تلك الآونة من مناهضة أول حالة حجاب في المدارس الفرنسية في نفس السنة.وهو ما بدأ يرتعد له بعض النخب من الفرنسيين معتبرين انها إرهاصات لأسلمة فرنسا علي الطريقة الإيرانية. وكيف بدأ استخدام تعبير صدام الحضارات في الصحافة والاعلام اثر اندلاع أحداث رهائن السفارة الأمريكية. وارجع توماس دلوتمب فترة التسعينيات من القرن الماضي الي بداية التخوف الحقيقي للنخبة الفرنسية من الاسلام بما ارتبط في أذهانهم من الأحداث التي أسلفنا ذكرها, ايا كان علي المستوي الداخلي او الخارجي. وهي الفترة التي بدأ فيها توصيف المهاجرين بالمسلمين. وهي ايضا المرحلة التي أفاقت فيها فرنسا علي واقع جديد فرض عليهم وهو ان الجيل الثاني من ابناء المسلمين اصبح من الفرنسيين, مما وضع فرنسا امام واقع ولا مفر, وهو الإسلام أصبح أيضا فرنسيا. وان كانت وسائل الأعلام تعمدت بث صور مشوهة عن الإسلام في الثلاثة عقود المنصرمة. فالحكومة الحالية تعتمد سياسة مهاجمة أبناء الأجانب ومحاولة وصمهم بإرهاب المجتمع, فساركوزي نعتهم بالحثالة والرعاع حين كان وزيرا للداخلية وهناك محاولة دءوب للصق كل مصائب المجتمع بهم لدرجة ان مشروعات القوانين تتطاير هنا وهناك لحرمانهم من الجنسية حال تورطهم في جرائم قتل لرجال الامن!. واخري تحرم النقاب كونه مظهر إسلامي!... الخ. كما لو كان كيان المدينة الفاضلة امرا قائم في بقعة ما حول العالم, وان فرنسا من الموعودين بمثل هذه المدينة لولا وجود المهاجرين!. دون النظر الي ان العالم كله مصائب ايا كان بوجود إسلاميين او مهاجرين من عدمه. فالاسلاموفوبيا توظف الاحداث الداخلية والخارجية لتكون مشنقة تلتف حول رقاب المهاجرين بفرنسا تضيقها وتبسطها حينما ترغب وبصفة خاصة في وقت الانتخابات لكسب الاصوات العنصرية والمتطرفة كحال سياسة اليوم, كما ان هناك سياسة غير معلنة بتبني المعارضة الاسلامية وتطوعها لمهاجمة الاسلام. والواقع ان للمهاجرين قدرا في ترسيخ صور خاطئة عن الاسلام, فالبعض يتمسك بالمظهر دون الجوهر ونأخذ البرقع اوالنقاب الذي يعتبره الغرب تقييدا وتحجيما للمراة وانتقاصا في حقوقها. بالرغم من إجماع الأئمة علي انه لم يكن ضمن الفرائض الشرعية علي المراة.وهذا التمسك يزيد هلع الفرنسيين من الاسلام. وقد لا يتسني لنا إغفال ان الحالة المتردية لمعظم أبناء المهاجرين من المهمشين في الضواحي جعلتهم يلجأون الي اعمال تخل بأمن المجتمع من تسول, وسرقات,التعاطي والاتجار بالمخدرات والنتيجة الطبيعية العنف والجريمة, وبالطبع فإن هذه الحالة المتردية ألقت بنسبة كبيرة منهم في سجون فرنسا. وهو ما يستخدمه نواب اليمين المتطرف لمهاجمة المهاجرين, وعلي رأسهم زعيم حزب اليمين المتطرف جون ماري لوبن مرشح الرئاسية السابق لمرات متتالية- وجعلته يتزعم حملة تدخل ضمن إطار برنامجه الانتخابي لطرد المساجين من الفرنسيين المهاجرين لأوطانهم الأصلية بغية تخفيف الميزانية المتضخمة لسجون فرنسا. والمشين ان تقارير وزارة الداخلية للعام الماضي اكدت علي انخفاض ملحوظ في نسبة الجريمة بفرنسا اثناء شهر رمضان!. وبدون ادني شك ان مسلمي فرنسا عليهم العبء الأكبر في تحسين صورتهم امام المجتمع, واثبات ان قواعد الدين السمح تتمحور حول الاخلاق الحميدة والمعاملة الحسنة وان المسلم هو من سلم الناس من لسانه وعمله ويده.