فقد أعلن مجلس الوزراء أنه في إطار التوجه نحو إبدال الأحكام بالعقوبات المقيدة للحرية بأخرى مناسبة تساهم في تقويم سلوك المحكوم عليهم وإعادة دمجهم في المجتمع، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون لتعديل المادة (20) والتي تنص يجب على القاضي أن يحكم بالحبس مع الشغل كلما كانت مدة العقوبة المحكوم بها سنة فأكثر وكذلك في الأحوال الأخرى المعينة قانونا. وفى (1) كل الأحوال الأخرى يجوز الحكم بالحبس البسيط أو مع الشغل. يعتبر هذا القرار بتعديل المادة 20 من العقوبات بهدف تحقيق الاستفادة من المحكوم عليهم إيجابي وبداية خطوه في الالف ميل لتعديل قانون وفلسفة العقوبات بقدر المستطاع. فقد بدأت مصر تلفت إلى مخاطر ما يسمى ب "سلب الحريات" وأن دول كثيرة في العالم تتجه لإقرار عقوبات مالية بدلًا من الحبس والسجن وأن دولة مثل الصين تقوم بتهجير هؤلاء المتهمين من على أراضيها. أن الأمر يندرج تحت مسمى التدابير الاحترازية البديلة للعقوبات السالبة للحرية من خلال استبدال عقوبة الحبس بالتشغيل خارج السجن وأن هذا الأمر مطبق في فرنسا. أن المحكوم عليهم بحاجة إلى تأهيل بشكل معين حتى نضمن أن يعملوا خارج السجن ولا يبادروا بالهروب إلى مكان أخر. إذا كان المشرع هو الذي يحدد العقوبة وفقا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إلا أنه لا يستطيع أن يحدد كل الظروف التي أحاطت الجاني وقت ارتكاب الجريمة، فأن المشرع يعمل على إعطاء القاضي بعض الصلاحيات لاختيار العقوبة المناسبة لتأهيل وإعادة إدماج المجرم في المجتمع مثلا أن يحدد للعقوبة حدين وهذا ما يسمى بالتفريد التشريعي. وبما أن الهدف الأصلي لاختيار العقوبة هو تقويم سلوك المجرم وإصلاحه، والتنفيذ العقابي هو المرحلة التي يتحقق فيها الهدف من هذا الاختيار؛ ولا يمكن تحقيق هذا الهدف ما لم تعمل السلطة التنفيذية على تحقيقه لان المشرع يضفي على الفعل المجرم الذي أقدم عليه الشخص الصفة الشرعية، ويخرجه من نطاق التجريم؛ ويتضح لنا من سياق هذا القول بأن نصوص مواد التجريم ليست مطلقة بل يرد عليها قيود تضيق من نطاقها، والمشرع يهدف من وضعه هذه النصوص حماية مصالح اجتماعية معينة على قدر كبير من الأهمية فينص على تجريم تلك الأفعال، لكنه قد يقدر أن المصلحة التي تعود على المجتمع في عدم العقاب تفوق المصلحة التي تعود عليه في حالة العقاب عليها في ظروف معينة، فيقرر اعتبارها مشروعة في مثل هذه الظروف على الرغم من خضوعها لنصوص التجريم، وأساس تسويغ فعل الإباحة وعلته عند الفقهاء إن الاتجاهات الحديثة في السياسة العقابية أصبحت تتماشى مع التغيرات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية السائدة في العالم؛ حيث عمدت كثير من الدول لإلغاء وتطوير بعض العقوبات السالبة للحرية، وخصوصاً ما يتعلق بالمسجونين لمدد قصيرة، واستبدال عقوبة السجن إلى عقوبات أخرى، مثل: وقف تنفيذ الحكم، والعقوبات المالية، والتعهد والكفالة، والعمل للمنفعة العامة، وغيرها من العقوبات البديلة الأخرى. ونجد أن لهذه العقوبة خصائص عامة وأخرى خاصة تنفرد بها لما لها من فوائد تعود على المحكوم خاصةً، وعلى المجتمع بصفة عامة، وإضافة إلى المبادئ التي تتميز بها العقوبة بصفة عامة، وهي مبدأ الشرعية، مبدأ الشخصية، مبدأ المساواة في العقوبة ومبدأ تفريد وقضائية العقوبة تقدير موقف المشرع المصري: على الرغم من أن المشرع المصري يعرف تطبيق الشغل خارج السجن كبديل عن الحبس قصير المدة أو كبديل عن الإكراه البدني، إلا أن جانب من الفقه الجنائي يرى أن هذه الصورة من العمل للمنفعة العامّة لا تتناسب البتة مع التطورات التي وصل إليها نظام العمل للمنفعة العامّة في التشريعات المقارنة. فالمشرع المصري لم يواكب التطورات التشريعية التي واكبت نظام العمل للمنفعة العامّة من خلال اعتباره كبديل عن عقوبة الحبس قصير المدة، فمن ناحية نرى أهمية توجيه نظر المشرع المصري نحو التوسع في تطبيق نظام العمل للمنفعة العامّة – على غرار القانون الفرنسيّ-من خلال النص على جواز استبدال عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته عن سنة واحدة بعقوبة العمل للمنفعة العامّة، مع ضرورة وضع قواعد تشريعية لتنظيم هذه العقوبة على غرار القانون الفرنسيّ. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل نرى إمكانية استبدال تنفيذ المحكوم عليه لجزء من عقوبته السالبة للحرية بالسجن بأداء عمل للمنفعة العامة في ورش خارجية تتبع لقطاع مصلحة السجون، وتخضع لإشراف النيابة العامة، حيث يتقاضى المحكوم عليه فيها نظير عمله نصف الأجر المقرر، وذلك كمرحلة وسطى بين سلب الحرية وتقييد حريته من خلال نظام الإفراج الشرطي؛ شريطة أن يكون المحكوم عليه حسن السير والسلوك، مع ضرورة وضع القواعد التشريعية واللائحة المنظمة لذلك. ولا شك في أن تطبيق هاتين الصورتين من العمل للمنفعة العامة، سواء في ورش خارجية لقطاع السجون بالنسبة للمحكوم عليهم أو كبديل عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، من شأنه معاونة المحكوم عليه على إعادة إدماجه في المُجتمع، فضلاً عن تخفيض أعداد المسجونين بالمؤسسات العقابية، ودعم الإنتاج القومي للدولة. وتطبيق عقوبة العمل للمنفعة العامة منوط بعدة جهات وليس حكرا على جهة واحدة، ولذلك فإن معوقات العمل بهذه العقوبة تتعدد بتعدد الجهات المرتبطة بها "، لأنه يمثل تضامناً مع المحكوم عليه من خلال فرض العمل للمنفعة العامة كبديل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وهي عقوبة أصلية تكميلية ومقترنة مع الاختبار القضائي أن يكون العمل للمنفعة العامة واحد من عدة خيارات وضعت أمام قاضي الحكم لا الخيار الوحيد وأنه والمعني بتنفيذه بدرجة أكبر قاضي تطبيق العقوبات. يجب علي القاضي أن يحكم بالحبس مع الشغل كلما كانت مدة العقوبة بها سنة فأكثر، وعلى هذا الاساس فإن هناك بعض الجرائم التي لابد فيها أن يقضي القاضي بعقوبة الحبس مع الشغل على من تثبت ادانته بارتكاب الجريمة المحكوم عليه بسببها تحقيقا لمبدأ الزجر العام والزجر الخاص حيث تكون رادعة لكل من تسول له نفسه أن يقترفها وأن تكون رادعة لكل من سولت له نفسه فعلا، ومن الامثلة الرئيسية لهذه الجرائم جريمة السرقة أو البلطجة على سبيل المثال،أما إذا كانت جريمة من الجرائم غير العمدية والتي تقع بطريق المصادفة لا يرغب مقترفيها أصلا في اتيانها بل يتمني الا تحدث مثل جرائم القتل الخطأ أو الاصابة الخطأ نتيجة حوادث السيارات مثلا، فإن هذه الجرائم يفضل أن تكون العقوبة فيها هي عقوبة الغرامة ولا يستحب الحبس ما لم يكن مرتكبها قد قام بأفعال شائنة أدت الي ارتكاب الجريمة بما يتعين معه زجره زجرا شديدا عقابا له على الإثم الذي ارتكبه كان يكون في حالة سكر بين أو وعيه غير كامل نتيجة تناول مخدرات أو خلافه. ومن الافضل في الجرائم البسيطة منح القاضي حق الاختيار بين العقوبتين حسب ما يراه ويتضح ذلك من خلال التحقيقات، وبالنسبة لمقولة ان الشخص الذي يتم سجنه يعتاد عليه هو قول يرفضه العقل والمنطق فالذي يعود الي السجن مرة أخري بل مرات هو ذلك الذي يسيطر عليه روح الاجرام أما الآخر العادي الذي أوقعه حظه العاثر في الحبس لفترة قصيرة فسوف يفكر ألف مرة قبل القدوم على عمل قد يعود به الي الحبس حيث يفقد أشياء كثيرة داخله كما أن السجون أصبحت مزدحمة للغاية مما يضاعف من حجم المشاكل داخلها. ومن الاهمية أن يتم متابعة المحبوس نفسيا وعلاجه عند الحاجة حتى لا يخرج من نطاق الشخص العادي الي أنسان مدمن أو رافض للحياة على سبيل المثال، فالسجن له دور لابد من تنفيذه حتى في العقوبات القصيرة بما لا يسمح بتحويل الشخص العادي الي مجرم بمعني الكلمة الحل داخل السجن وليس الغاء العقوبة نفسها فالغرامة كما هو واضح للجميع ليست كافية أذا كان الحبس نفسه في بعض الاحيان غير رادع الامر يحتاج الي أفكار وقوانين تحافظ علي سلامة المجتمع خاصة في ظل زيادة معدل الجريمة. دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا