نمت على قائمة مطالب للإخوان حتى أعطى صوتى لمرشحهم فى الإعادة، واستيقظت على مطالب إضافية، وهكذا اليوم كل مصرى باتت له شروط على الإخوان، والبديل أن يذهب للمرشح المنافس أحمد شفيق، يذهب للثورة المضادة، بل إن البعض وضع مطالبه فى منتصف الطريق بين المرشحين، كأنهما متساويان، ومن يسبق الآخر منهما فى التقاطها وإعلان الالتزام بها فإنه سيكون معه. كثيرون تحولوا الآن إلى حراس للثورة، بل ملاكها الحصريين، إنها ثورة بدون أب، فأصبح لها اليوم 82 مليون أب أحدثهم شفيق الذى يمجد الثورة ويتحدث باسمها ويدعو الثوار إلى لقائه. هؤلاء يوزعون صكوك الثورة بلا خجل، فيقولون هذا ثورى، وهذا نصف ثورى، وهذا مر على الميدان ولم يمكث فيه، وهذا انضم للثورة فى ساعتها الأخيرة، وهذا ركب الموجة، وذاك دخيل، وهذا سرقها، وإلى آخر تلك التصنيفات السخيفة، علمًا بأنه لم يكن أحد من هؤلاء يقف فى مداخل التحرير وكل ميادين الثورة ليسجل الحضور والانصراف وعدد ساعات البقاء، ومن الذى نام فيه ومن غادره، وعلمًا أنه كان من ضمن الهتافات منذ 25 يناير وإلى 11 فبراير "يا أهالينا انضموا لينا" لحث المصريين على النزول من بيوتهم والمشاركة، وكان الثوار يقولون: إن الجالسين فى البيوت مؤيدون للثورة ومتعاطفون معها حتى ولو لم يذهبوا للتحرير، لم تكن هناك تلك الأنانية التى نراها الآن، وعلمًا أيضًا أن مؤرخى الثورة يقولون إن 20 مليوناً نزلوا الشوارع للاحتفال برحيل مبارك، أى أنهم مشاركون فى الثورة حتى ولو فى لحظة انتصارها، والثوار كانوا يقولون إنها ثورة كل الشعب من كل الفئات والطوائف والأعمار والتيارات لإعطائها الزخم الجماهيرى حتى لا تكون ثورة شريحة من الشعب، وهى بالفعل حظيت بتعاطف شعبى واسع لكن لعدة أشهر، وعندما بدأت تسوء الأوضاع فإن كثيرين أخذوا ينفضون من حولها ثم ازداد الانفضاض بعد ممارسات الثوار أنفسهم ومنهم الإخوان. نحن الآن أمام شريحة من المصريين زهقت من البؤس الذى جاء مع الثورة - والثورة بريئة منه - وهؤلاء يبحثون عن المنقذ فى الأمن ولقمة العيش، ويجب تفهم مبرراتهم.. وهم يميلون فى التصويت ل شفيق. وهناك شريحة كانت مستفيدة من النظام القديم وتريد عودته حتى تستأنف مصالحها وسلطانها ونفوذها وهيبتها، ويصطف مع هؤلاء شريحة أخرى قد لا تكون مستفيدة، لكن الاثنتين تجمعهما جينات الخضوع للسلطوية - إذا جاز الوصف - التى تسرى فى عروقها بجانب استعذاب حكم الجلاد، وهؤلاء يجاهرون بعدائهم للثورة متسترين وراء كوارث الفترة الانتقالية التى يتحملها العسكرى مع قوى الثورة، وهم من داخلهم لا مع الثورة، ولا مع التغيير، ولو عاد مبارك فإنهم سيحملونه على الأعناق. أما على مستوى الثوار فإن الحقيقة الوحيدة بينهم هى الشهداء، وما دون ذلك يحتمل كل شىء عند التقييم، فهناك ثوار مفرقون للجماعات ممن يوزعون صكوك الانتماء والولاء للثورة فيجعلونك تكرههم وتكره الثورة، وهناك ثوار مُحبِطُون ينشرون اليأس بدعوات المقاطعة لانتخابات الإعادة لأن كلا المرشحين لا يستحق علمًا أن مرسى وجماعته فى الصف الوطنى من قبل أن يولد كثير منهم، وهناك ثوار كاذبون يزعمون أنهم مع الثورة وهم يقضون عليها بدليل حربهم على مرسى لأنه مرشح الإخوان وهم ضد هذه الجماعة، هؤلاء يعملون بوعى لمصلحة الثورة المضادة بقيادة أحمد شفيق، فهنيئًا له بكم. هل رأيتم مثل هذه الانقسامات والحروب داخل معسكر شفيق؟ لا.. إنه كتلة صلبة متماسكة تعرف هدفها وتسير نحوه بثبات لتنفيذه، أما ما يسمى بمعسكر الثورة فإن قلوبهم شتى. إنها مهزلة تجعلنا نتألم على من يضيعون الثورة بأنفسهم ويهدونها إلى المعسكر المضاد، أو تجعلنا نعيد قراءة ما تردد من أن ما حصل لم يكن ثورة إنما انقلاب عسكرى ناعم استثمر فيه الجيش المتظاهرين بالتحرير، وهو انقلاب جنتلمان باتفاق الجنرالات الثلاثة الكبار: حسين طنطاوى، وعمر سليمان، وشفيق، ورضخ مبارك. أنقذوا الثورة من فضلكم أولا. [email protected]