نتائج الفرز صارت معروفة وحسمت لصالح الدكتور محمد مرسى، مرشح حزب الحرية والعدالة "الإخوان" الذى جاء فى المقدمة، ويليه أحمد شفيق لتتم الإعادة بينهما فى معركة لن تكون سهلة حيث اعتبرها المعركة الثانية الأهم للثورة فى مواجهة النظام القديم، الذى لم يسقط بعد ويريد التسلل والعودة وراء شفيق، اليقظة أصبحت ضرورية وكل صوت بات له قيمة، ذلك أن الإعادة ستكون مفصلية إما ببناء النظام الجديد الذى نحلم به، أو حدوث ردة مهينة للثورة ودماء الشهداء وجراح المصابين. تنبأت فى مقالى هنا الثلاثاء الماضى بأن مرسى يتقدم ويقفز على العوائق وأسهمه ترتفع، وهو بالفعل ما كشفت عنه النتائج حيث فى ظل واحدة من الحملات الإعلامية والسياسية الشرسة التى يتعرض لها الإخوان يحقق مرشحهم هذه النتيجة الجيدة. وقد كان البعض ينتظر تعرضهم لإخفاق كبير وسقوط سياسى مدوٍ، وهناك آخرون كانوا يتخوفون من حصول ذلك حرصًا عليهم وعلى تجربتهم فى الحكم التى لم يتم تمكينها بعد، حيث لم يكن منطقيًا أن يكون حزبهم قد فاز بأكثرية الانتخابات التشريعية ثم بعد أقل من 6 أشهر يعجز مرشحهم عن الفوز بالرئاسة أو حتى دخول الإعادة ما يعنى أن الحملة عليهم بدأت تؤتى أكلها بالتأثير على صورتهم فى الشارع. مع ذلك حصل تأثير وتشويش بالفعل، ولو كنا اليوم أمام حالة الإخوان قبل الانتخابات التشريعية لكان مرشحهم حسم انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى، ولذلك هم مطالبون الآن بعلاج الخلل الذى اعتراهم بواقعية وعقل منفتح. والتحدى فى انتخابات الرئاسة أمام الإخوان كان مضاعفًا بوجود مرشحين منافسين لهم من البيت الإسلامى: د. عبد المنعم أبو الفتوح ود. محمد سليم العوا، وإن كان أبو الفتوح هو المهدد الحقيقى لمرشحهم وسحب الأصوات منه، ولو كان هناك مرشح إسلامى واحد لكان غالبًا حسم الانتخابات لصالحه من الجولة الأولى، بل لو كان هناك مرشح واحد لقوى الثورة لكان حسم النتيجة دون مأزق الإعادة مع شفيق. إذن.. تقدم مرسى بهذا الشكل يعنى التغلب على الهجوم المدبر لضرب الجماعة وحزبها وإسقاطهما شعبيًا رغم أنهم يتحملون جانبًا من مسؤولية توفير مبررات وذرائع هذا الهجوم الذى خرج عن الأخلاق أحيانًا، كما يعنى التغلب على عقبة أبو الفتوح المنافس العنيد والقوى له داخل كتلة التصويت المغلقة عليهما. قلت فى مقال سابق إن الإخوان سحرة سياسة ليس بالمعنى السلبى الذى فهمه أحد القراء المتعاطفين مع الجماعة إنما بالمعنى الإيجابى، وهو أنهم ماهرون فى لعبة السياسة وقادرون على الأداء الإيجابى حتى فى أحلك الظروف والأوقات، ومنذ الثورة وإلى اليوم كانت الأشهر الخمسة الأخيرة هى الأصعب عليهم بعد أن دارت ضدهم حملات التشويه المنظمة من الميديا التى يملكها رجال أعمال منتمون إلى النظام السابق فى نفس واحد وبصوت واحد وبمايسترو واحد يوجه تلك الحملة من وراء الستار لخدمة ليس فقط النظام القديم ورجاله الذين يجهزون أنفسهم للعودة مع أحمد شفيق، بل لخدمة أطراف فى السلطة تحبذ المواجهة لكنها لا تريد أن تخوضها بنفسها معهم مباشرة، والخدمة تمتد إلى تيارات تتدثر برداء الليبرالية لكنها سريعًا تخلع هذا الرداء وتظهر عارية على حقيقتها المغرقة فى الاستبداد إذا كان الطرف الفاعل فى معادلة الحكم هم الإسلاميون، هؤلاء ليبراليون طالما أن الإسلاميين فى المعارضة يتعرضون للتنكيل، وهم غلاة المستبدين إذا شعروا أن الإسلاميين قادمون للسلطة، وهم تحالفوا مع النظام السابق المستبد ضد الإسلاميين، والأيام القادمة ستكشف هل يتحالفون مع شفيق بمواجهة مرسى وتحويله من مرشح للفلول إلى مرشح مدنى أو مرشح الاستقرار وخلق عشرات المبررات لتسويغ التحالف معه حتى لا ينجح المرشح الإسلامى ليكونوا بذلك مخلصين لأنفسهم ولمواقفهم غير الليبرالية التى لازمتهم خلال التعاون مع نظام مبارك. المهمة ثقيلة أمام الإخوان وهم يخوضون الإعادة، لأنهم سيواجهون معارك شرسة وربما اصطفافات واسعة تجمع ألوان طيف غير متجانس ومتناقض لكن هدفهم جميعًا واحد وهو ألا يصل إسلامى أيًا كان ما يسمى اعتداله لمنصب الرئيس. سنتابع حملات من التخويف العام للمواطنين مما ينتظر مصر لو صار مرسى رئيسًا وهو تخويف كاذب؛ لأن العالم مستعد للتعاون مع أى رئيس أيًا كانت عقيدته السياسية طالما هو منتخب من شعبه فالعالم الحر يثق فيمَن يفوز بالإرادة الشعبية ولا يثق ولا يحترم من يفرض نفسه بالقهر على شعبه. انتخابات الرئاسة فى الجولة الأولى أعادت الروح إلى الإخوان وعليهم العمل ليلاً ونهارًا؛ لاستعادة الروح والثقة كاملة ومد اليد إلى جميع القوى السياسية بكل تلاوينها وإلى الأقباط، لسد الذرائع على الجميع وإحراجهم حتى لو بينهم وبين أنفسهم، والأهم للحفاظ على الثورة، فلو ذهب المنصب لرئيس من الفلول لقلنا العوض على الله فى الثورة. [email protected]