مَن سيصوت للدكتور محمد مرسى فى انتخابات الإعادة، فإنه سيصوت لإنقاذ الثورة وليس بالضرورة للإخوان، ومَن سيقاطع فإنه بالضرورة سيعاقب الثورة أكثر مما يعاقب الإخوان، حيث سيبقون أصحاب أكثرية برلمانية وشعبية وسيكون من حقهم تشكيل الحكومة، وقد تحدث عن ذلك شفيق فى مؤتمره الصحفى السبت الماضى. ومَن يفكر الآن من قوى الثورة بين مرسى وشفيق فإنه يضيع الوقت ويعطى إيحاءات بأن الكفتين متساويتان، وهذه رسالة خطيرة لذهاب مزيد من المصريين إلى معسكر شفيق، فضلاً عن زيادة تمسك قوى الثورة المضادة به ودعمه الصريح دون خجل باعتباره الحُلم الذى صار قريبًا للخروج للنور وعودة ما كان. من المؤسف أن يقول البعض عن مرسى وشفيق إننا بين خيارين أحلاهما مر، أو بين الطاعون والسرطان، أو بين حزب وطنى جديد وحزب وطنى قديم، أو بين دولة دينية ودولة مدنية، لا يمكن مساواة الإخوان أو الإسلاميين الذين هم جزء أصيل من الثورة بالنظام القديم الذى أسقطته الثورة، هذا تجنٍ كبير وإمعان فى الكيد والعداء غير المبرر مهما كانت بعض الأخطاء التى يرتكبها الإخوان، كما أنه استمرار لفكرة الإقصاء والتهميش للصوت الإسلامى وعدم اعتباره شريكًا أساسيًا لم يعد ممكنًا تجاوزه أبدًا فى صياغة الأوضاع فى مصر بعد الثورة. ففى الوقت الذى تواصل فيه قوى الثورة جلد الإخوان ومحاسبتهم بغلظة وابتزازهم سياسيًا فإن المعسكر المناهض للثورة يزداد شوكة وتلاحمًا وتفاهمًا وتحركًا تجاه المناطق التى لم تصوت له بكثافة لجذبها إليه فى الإعادة، لأنهم يدركون أن أى صوت سيحرم منه مرسى فإنه سيصب فى مصلحة شفيق مرتين، حيث لا يخصم فقط من الرصيد العددى لمرشح الإخوان والثورة، إنما سيعظم من قيمة الصوت الذى سيحصل عليه شفيق من معسكره المتماسك ومن التصويت الكثيف المتوقع أن يحصل عليه. من المهم معرفة أن من الشرائح الداعمة لشفيق أكثر من 52 ألفًا من أعضاء المحليات التابعين للوطنى المنحل فهم ما زالوا فاعلين فى قرى ونجوع وأحياء مصر، وهذه الشريحة قادت الدعاية والحشد له، بجانب رءوس العائلات المرتبطة بالسلطة تقليديًا وهى ما زالت على ولائها للنظام القديم وتعتبر أن فى عودة شفيق عودة لها إلى نفوذها السياسى المحلى، وكذلك أعضاء مجلسى الشعب والشورى السابقين التابعين للوطنى الذين يشعرون بالمهانة منذ الثورة بسبب خروجهم من المشهد وفقدانهم النفوذ والمقاعد، علاوة على البيروقراطية المصرية التى ترتبط بالنظام السابق فى الأجهزة المحلية والوزارات والهيئات المختلفة، وولاؤها كان يوفر لها نوعًا من الحماية الوظيفية وتحقيق المصالح، أما القوة المالية الرهيبة التى سوقت شفيق وروجت له فهم رجال الأعمال سواء المرتبطين بالنظام السابق أو الباحثين عن الأمن والاستقرار، ويرون أن شفيق الأنسب لتحقيق هذه المهمة، هذه القوى المهمة التى تريد الخروج من حالة استشعار الهزيمة التى لحقت بها بعد الثورة والتضاؤل أمام الجمهور فى الريف والصعيد خصوصًا، وفقدان المصالح والنفوذ تزداد تماسكًا الآن مقابل قوى ثورية ما زالت منقسمة بحدة وتتبادل الاتهامات على الهواء بعنف وتفرض شروطًا على الإخوان، بل تبتزهم بأقصى طاقة ممكنة، فهل يتناسون أن التفاهم مع مرسى المرشح الذى سيكون فوزه استمرارًا للثورة أمر محسوم بعكس شفيق عنوان الثورة المضادة والذى سيكون ولاؤه الأول لجمهوره الذى أوصله للمنصب وليس لأى طرف آخر. أفهم أن حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح خرجا من الانتخابات كقائدين شعبيين لا يمكن إسقاطهما من حسابات الرئيس القادم، خصوصًا إذا كان مرسى، لكن ما أدركه أن تفاهمهما معه يجب أن يكون أمرًا مفروغًا منه، لأن الثلاثة على نفس الأرضية بعكس شفيق، حيث سيكون التفاهم معه نسفًا سياسيًا ووطنيًا لهما، لكن ما أفهمه أيضًا أن الأصوات التى حصل عليها أبو الفتوح هى كلها تقريبًا من حصة الإسلاميين، ومنطقيًا أنها ستعود إلى مرسى فى الإعادة وأن أصوات حمدين جزء منها تصويت عقابى للإخوان، فأصحابها تأثروا بالحملة ضدهم كون أنهم ارتكبوا أخطاء فذهبوا إلى صباحى، وعمومًا هى خلافات سياسية يسهل تصحيح الممكن منها، ولو كان الإخوان فى انتخابات الرئاسة بنفس الصورة التى كانوا عليها أثناء انتخابات البرلمان لما كان أبو الفتوح وحمدين حصلا على هذه الأصوات. أعجبنى شاب من حملة أبو الفتوح عندما قال بوعى: لا يمكن القول إننا نهرب من مشروع فاشى "مرسى والإخوان" لأنه مشروع مزعوم إلى مشروع فاشى محقق بالفعل "شفيق والثورة المضادة". المسألة الآن لا تحتمل كل هذا التفلسف العقيم، من يرد الثورة فليصوت لها عبر عنوانها، ومن يرد انتهاء الثورة فليذهب إلى أعدائها وتنتهى القصة والحُلم، ثم إن مرسى يقدم مبادرات مهمة لطمأنة القوى الوطنية فى تشكيل الرئاسة والحكومة يجب النقاش حولها وصياغتها فى وثيقة وطنية وهذه تنازلات من الإخوان عن فكرة الأكثرية والاستحواذ على السلطة، أى أنهم يتنازلون عن حقهم فى السيطرة على السلطة للشركاء ليكونوا متساوين مع متساوين آخرين رغم اختلاف الأوزان النسبية. قوى الثورة المضادة تعمل فى صمت وتكسب كل يوم أرضًا جديدة، بينما قوى الثورة ترفع وتيرة الاشتباك فى الفضائيات، وتعطى رسالة سلبية للساخطين بأنهم كانوا على حق عندما صوتوا لشفيق وللمترددين بحسم خيارهم والذهاب لشفيق، وفى ظل استمرار تلك الحالة المأساوية يمكن أن نصحو بعد أيام على شفيق رئيسًا. [email protected]