حقق حمدين صباحى إنجازًا فى انتخابات الرئاسة المصرية، فقد كان هو الحصان الأسود الحقيقى، وتجاوز عبد المنعم أبو الفتوح الذى كان متوقعًا أن يكون الأول أو الثانى، وحمدين له تاريخ من النضال، وهو من المشاركين فى ثورة 25 يناير، لكن حينما خطب فى أنصاره لتهدئتهم ورفع روحهم المعنوية بعد انتهاء الفرز وعدم دخوله الإعادة وتأكيده أنه مستمر معهم فى النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، فإن موقفه كان صادمًا حيث لا يخدم فى مجمله الثورة، التى يتعهد لأنصاره بأنه سيواصل مسيرتها، فأى ثورة ستبقى إذا جاء شفيق رئيسًا، بينما هو يعلن بأنه لن يدعم عنوان الثورة الآن محمد مرسى، مرشح الإخوان؟ قال حمدين بوضوح: "لن أقبل نفحات من أحد سواء الإخوان أو غيرهم".. و"سأكون تحت قيادة هؤلاء الذين انتخبونى ولن أقول لهم صوتوا لفلان".. هذا عن موقفه، أما عن موقف مؤيديه، وهو يخطب فيهم فلخصوه فى هذا الهتاف: "لا فلول ولا تاجر دين الشباب عاوزين حمدين"!. ليس هذا فقط بل إنه فى ظهوره المتتالى على الفضائيات جدد موقفه الأول بأنه لا يدعم مرسى تحت عنوان أنه استبداد دينى، ولاشفيق لأنه يمثل عودة للنظام القديم، بما يعنى أنه يساوى بين الاثنين ويضعهما على أرضية واحدة غير ثورية مع أن الواقع غير ذلك، فالإخوان ومرشحهم الذى اعتقل ليلة جمعة الغضب جزء أصيل من الثورة، ومن النضال الطويل ضد نظام مبارك، وهم تضرروا أكثر من حمدين من هذا النظام، فإذا كان هو اعتقل عدة مرات فإنها كانت لأشهر ولم يقدم فى إحداها للمحاكمة أمام محكمة أمن دولة أو محكمة عسكرية، كما لم تصادر أمواله، ولم تشرد أسرته، ولم يمنع من الحصول على رخصة شركة مستقلة يصدر من خلالها صحيفة تعبر عن أفكاره ومواقفه، نعم كان يتعرض للتضييق، ولكنه يعد رفاهية بجانب ما كان يتعرض له الإخوان من إقصاء وتهميش وقطع للأرزاق وكسر للعمود الفقرى للجماعة ماليا واقتصاديا وسياسيا علاوة على الحملات الإعلامية الفاحشة، ولاينسى حمدين أنه كان يتعرض لمحاولات التزوير من النظام السابق فى انتخابات البرلمان فى دائرته بمحافظة كفر الشيخ لكن سنده كان الإخوان دعما وتصويتا بجانب إخلائهم لدائرته من أى مرشح لهم. إذا كان حمدين هو الطبعة الجديدة المتطورة من الناصرية التى تتخلص من إرثها فى القمع، والتى أسست للدولة الاستبدادية فى مصر حتى سقطت بسقوط مبارك، لكنه اليوم باتخاذه هذا الموقف فإنه يفسح الطريق لإعادة إنتاج الدولة العسكرية مرة أخرى بوجه مدنى مزيف لتظل مصر أسرى هذا النمط من الحكم إلى الأبد، فهل يقبل أن يكون سببًا فى استمرارية الاستبداد وتعطيل مسار الثورة للأبد؟ من الطبيعى ألا يحضر حمدين الاجتماع الذى دعا إليه مرسى بشأن حشد القوى الوطنية ضد شفيق ومبرره مقبول ذلك أن النتائج الرسمية لم تكن قد أعلنت عند عقد الاجتماع، وربما كان يأمل أن تقبل لجنة الانتخابات طعنه، وأن تحدث تغييرات فى النتائج ليدخل الإعادة، لكن من غير المفهوم أن يكون خطابه سلبيًا تجاه مرسى فى أول إطلالة له بعد الانتخابات ليعلن أنه لن يقف معه أو مع شفيق وأنه لن يقول لأنصاره صوتوا لفلان، أما الأنصار فهم يسيئون لمرسى بوصفه تاجر دين ومساواته - مثل حمدين - بالفلول، كذلك من غير المفهوم استمرارية هذا الموقف بل وتشدده حتى اليوم. كيف أقتنع إذن بثورية حمدين وبمواصلته طريق الحفاظ على الثورة، وهو يتركها فى مهب ريح الفلول الذين يقدمون مثلا ناضجًا فى التوحد خلف شفيق وفى العمل بدأب وصمت لإنجاز المهمة بينما قوى معسكر الثورة متفرغين جميعا الآن لمواصلة الهجوم على الإخوان ولى ذراعهم والاشتراط عليهم وابتزازهم وهى شروط مهينة أحيانًا وأظن أن الإخوان لو خلعوا ملابسهم وأصبحوا "ملط" أمام هؤلاء فإنهم لن يرضوا عنهم بل سيواصلون جلدهم وكأنها فرصة أخرى واتتهم لتصفية حسابات لن تنتهى معهم وهى حسابات لها علاقة بمواقف مبدئية من تيار الإسلام السياسى أكثر مما يروج له عن أخطاء وقع فيها الإخوان فالكل وقع فى أخطاء، فهؤلاء لا يريدون إسلاميًا واحدا فى المشهد الذى يريدون احتكاره وفرض رؤاهم وحدهم على مصر الثورة، التى يمكن أن تضيع بعد أقل من 20 يومًا. لا يجب أن ينسى من يريدون شطب الإخوان من الثورة أن الاخوان كان لهم موقفان فاصلان فى الثورة قادا إلى نجاحها الأول: الخروج الكثيف يوم جمعة الغضب 28 يناير، ولذلك عجزت الشرطة عن قمع تلك الألوف فانكسرت وكان ذلك نقطة الأساس فى تطور الثورة وصعودها، إذ لو لم تنكسر الشرطة وقاومت لكانت نجحت فى فض التظاهرات بدماء كثيرة.. والموقف الثانى: فى موقعة الجمل حيث حمى الإخوان الميدان، ولو كان سقط فى أيدى بلطجية النظام لكانت الثورة انتهت وهى فى منتصف الطريق، وبعد نجاح الإخوان فى الحفاظ على الميدان فإن النظام انهار وبات مبارك مضطرا للرحيل. على الأستاذ حمدين مراجعة موقفه، وكذلك كل الوطنيين الشرفاء حفاظًا على الثورة وليس على مرسى أو الإخوان قبل أن يندم الجميع. [email protected]