تقوم صناعة الدواء في مصر على استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج ثم تصنيعها واخراجها في الشكل الدوائي النهائي وتوفيرها للسوق. ويعتبر حدوث أي خلل في استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج - سواء بسبب نقص السيولة المالية او مشاكل عند الموردين - أحد أهم الأسباب لحدوث الأزمات المتكررة لنقص الدواء. لكن الأدوية المصنعة محليا لا تغطى كافة احتياجات السوق المصرية من الدواء حيث تستورد مصر حوالى 10% من احتياجاتها من الأدوية (في شكلها النهائي) من الخارج مما يعنى أن أي خلل استيراد هذه الأدوية يسبب أيضا أزمة في سوق الدواء المصري وهذه تكون أكثر صدا حيث أن معظم الأدوية المستوردة من الخارج هي من نوعية الأدوية الضرورية "مثل الأنسولين وأدوية علاج السرطان والبان الأطفال" والتي تسبب عند نقصها ضجة كبيرة داخل المجتمع المصري غير أن أزمات نقص الأدوية لا تتوقف أسبابها على العوامل الخارجية مثل الاستيراد من الخارج فقط. بل توجد عوامل داخلية كثيرة لا تقل في قدرتها على احداث أزمات نقص أدوية في السوق المصري لعل من أهمها الاحتكار ومشاكل تسعير الدواء حيث تتعمد بعض شركات انتاج الأدوية وبعض شركات توزيع الأدوية "تعطيش" السوق من بعض الأدوية كأسلوب ضغط لرفع سعر تلك الأدوية بشكل رسمي من خلال وزارة الصحة أو حتى بشكل غير قانونى ببيعها في السوق السوداء بأسعار أكثر بكثير من أسعارها الرسمية . بقى لنا أن نذكر أن من أسباب أزمة نقص الأدوية في السوق المصري ,حدوث مشاكل في خطوط الانتاج داخل مصانع الأدوية , وايضا توقف بعض شركات الأدوية من انتاج بعض الأصناف نظرا لانخفاض أو انعدام الجدوى الاقتصادية لتلك الأصناف .الى جانب هذه الأسباب يوجد عدد من الأسباب الأخرى الأقل أهمية والأقل قدرا على احداث أزمات نقص في الأدوية في السوق المصري نتغاضى عن ذكرها اختصارا . ان حجم فاتورة استيراد الانسولين سنويا بلغت90 مليار دولار، يعمل في مصر نحو 154 مصنع أدوية، توفر 92% من احتياجات المواطن المصري. أن هذه المصانع تعتمد على استيراد 90% من المادة الخام المستخدمة في صناعة الدواء. وبعد تحرير سعر صرف الجنيه، زاد سعر الدولار في السوق الرسمية بنحو الضعف، ما يعني أن فاتورة استيراد المواد الخام زادت على الشركات بنحو الضعف. كم يمتلك القطاع الخاص في سوق الدواء المصري؟ أكثر من 60 % من إجمالي 22 شركة أدوية أجنبية تمتلك نحو 18 مكتبًا علميًّا وباقي الشركات تنقسم ما بين شركات خاصة تساهم بنسبة 35% لأكثر من 62 شركة تمتلك مصانع أدوية، بالإضافة إلى 1200 شركة أدوية صغيرة "التول" وصولًا إلى مصانع وشركات قطاع الأعمال التي تبلغ مساهماتها أقل من 5% وقفز سوق الدواء في مصر خلال العام الجاري لما يقرب من 46 مليار جنيه بزيادة 11 مليارًا على العام الماضي بمعدل نمو 14% لم تكن تتخطى 12% خلال العام الماضي، وهذا يثبت نظرية علمية قائمة تقول إنَّه كلما زادت الأزمات الاقتصادية في البلاد لجأت الشعوب العربية لاستخدام أدوية أكثر، وحينما حدث ذلك في دول شرق أسيا اكتشفوا أنَّ شركات الأدوية الوحيدة التي أحدثت نسبة نمو هائلة تجاوزت 29%. أن الرسم البياني لمعدلات الأداء العام للشركات أوضح عدم صحة مقولة "أن هناك شركات مصرية أو أجنبية خاسرة" وأن مبيعات الشركات ونسب صافى الأرباح تعدت نفس الأداء والنمو والمبيعات خلال نفس الفترة من العام السابق بنسبة 3% إذ سجلت مبيعات ب 25 مليار و300مليون جنيه وسجلت العام السابق 20 مليار و110مليون جنيه، واستحوزت 8 شركات على 41% من مبيعات السوق المصرية، ثلاث منها أجنبية وهي: "نوفارتس وجلاكسوا وسانوفى افينتيس وفايزر والحكمة الأردنية" ثم جاءت أول شركة مصرية فاركو للأدوية التي تشيد بأدائها المنظمة، وأن الشركة المصرية أصبحت تملك قدرة الشركات الأكبر من الناحية الفنية وأن هناك مشروعات تضاف إلى رصيدها مستقبلًا خاصة أنها تحاول الوصول للأسواق العالمية والآسيوية. إجمالي الأصناف الناقصة بالسوق بلغ وفقاً لتقديرات غرفة صناعة الدواء أكثر من 2000 صنف منهم 800 صنف تنتجهم شركات ىقطاع الأعمال التابعة للحكومة. و نشير سريعا الى عدد من الاقتراحات الأخرى المتعلقة بهذا الموضوع اختصارا مثل محاربة السوق السوداء وضبط السوق وتجريم احتكار توزيع أصناف معينة من الأدوية وتشجيع انتاج بدائل للأدوية المستوردة وايجاد آليات جديدة لتنظيم استيراد المواد الخام الدوائية من الخارج والمساندة المعنوية والمصرفية لشركات انتاج واستيراد الادوية لمساعدتها على توفير السيولة المادية اللازمة لاستيراد الخامات والمنتجات الدوائية خاصة في ظل رفض عدد كبير من الشركات المصدرة التعامل مع الشركات المصرية بنظام السداد الآجل نظرا للاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تمر مصر بها في هذه المرحلة , كذلك نشر التوعية بين المواطنين بخصوص موضوع الدواء البديل حيث يوجد قصور واضح في تعريف المريض المصري بأن الدواء البديل هو دواء مطابق تماما للدواء الأصلي من حيث التركيب والمفعول وانما الاختلاف فقط في الشركة المنتجة والمسمى مما يخف الضغط على أدوية بعينها مما يؤدى لنقصانها رغم وجود عدد من البدائل لها .وكذلك الزام الأطباء بكتابة عبارة "يسمح بصرف أي اسم تجارى يطابق الأدوية المكتوبة في الشكل الدوائي والتركيب" في الروشتات وغيرها من الاقتراحات التي لا يتسع المجال لذكرها . م تتوفر الأصناف التي كانت ناقصة بالسوق رغم أن الوزير هدد أكثر من مرة بإلغاء القرار حال عدم توفر الأدوية الناقصة بالسوق إلا ان ذلك لم يحدث . تعويم العملة رفع سعر صرف الدولار مقابل الجنية إلى 19 جنية وبالتالي ارتفعت تكاليف مستلزمات الإنتاج إلى ما يقرب من 120 % للمحلى و150 % للمستورد في ظل نقص الدولار وأصبحت الشركات غير قادرة على استيراد المواد الخام للتصنيع وبالتالي نقص واختفاء العديد من الادوية المحلية والمستوردة. الحلول النهائية التي توافقت عليها الشركات مع الوزارة ليتم عرضها على مجلس الوزراء تضمنت زيادة 15 % من الأدوية المحلية لكل شركة بحد أدنى 5 مستحضرات وتزداد الأدوية من 0: 50 جنيها بنسبة 50 % من فرق سعر العملة، والأدوية من 50 : 100 جنيه، بنسبة 40 %، والأدوية فوق ال 100جنيه بنسبة 30 %.وشمل المقترح زيادة 20 % من الأدوية المستوردة لكل شركة بحد أدنى 5 مستحضرات وتزداد الأدوية من 0 :50 جنيها بنسبة 50 % والأدوية فوق ال 50 جنيها بنسبة %40 . وجاء بالمقترح الخاص بشركات الأدوية زيادة أسعار الترسية لمناقصة الأدوية التي تورد لوزارة الصحة بنسبة 50 % على أن يتم تفعيل هذه الزيادة أول فبراير من عام 2017. ولأن وزارة الصحة هي الجهة المعنية في توفير الدواء الآمن والفعال وبالسعر المناسب للمريض المصري وَفقًا للدستور، وكذلك توفيره بالمستشفيات والمراكز الطبية، التقينا الدكتور أحمد عماد وزير الصحة والسكان والمعنِى بحل الأزمة، الذى أكد أنه تم وضع خطة عاجلة لمواجهة الأزمة واستعراضها مع رئيس الوزراء، والتي تضمنت إتمام التفاوض مع الشركات التي تقوم باستيراد الأدوية اللازمة للسوق المصري، والتي تتعدى 146 صنفًا، وأهمها أدوية مشتقات الدم، وقد مارسنا هذه الشركات لتخفيض الأسعار للأدوية حتى توصلنا إلى أقل سعر ممكن هو أقل من السعر عندما تضع عليه نسبة الزيادة في سعر الدولار، وتم إرساء الوضع على شركتين وعرضهما على مجلس الوزراء، وفتح الاعتماد مباشرة للشركتين واعتماد 31 مليون دولار من البنك المركزي وفتحه مباشرة للشركتين بما يمنحهما العمل على توفير مشتقات الدم بالسوق المصري خلال الأسبوع المقبل، وتغطية احتياجات المواطنين من مشتقات الدم.
الدكتور عادل عامر دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا