يواكب اليوم ذكرى وفاة السيدة عائشة رضي الله عنها , ولدت عائشة رضي الله عنها بعد البعثة بأربع سنوات ، خرجت إلى الدنيا فوجدت نفسها بين أبوين كريمين مؤمنين وهما "ابوبكر الصديق"وأمها "أم رومان بنت عامر" ، بل وجدت نفسها ابنة خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنشأت أم المؤمنين رضي الله عنها في أحضان هذين الأبوين الكريمين وترعرعت في ظل هذا البستان الذي تنمو أشجاره في تربة الإيمان وتشرب من ماء الوحي ، فكان أبوها كالدوحة الباسقة التي يستظل بظلها كالشجرة المباركة ذات القطوف الدانية التي تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً في شهر شوّال وهي ابنة ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات ، فعنها رضي الله عنها قالت : ( تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ) متفق عليه . وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل زواجه بها ، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتُك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمضه ) متفق عليه . ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وكانت تفخر بذلك ، فعنها قالت : ( يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةً قد أُكِل منها ووجدتَ شجراً لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ قال : في التي لم يرتع منها ، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ) رواه البخاري ,وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة كما ثبت في الصحيح . كان لها رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يُظهر ذلك الحب ، ولا يخفيه ، حتى إن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة . قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها . متفق عليه . وقال صلى الله علية وسلم لام سلمه : يا أم سلمه ، لا تؤذيني في عائشة، فانه والله ما نزل علي الوحي وانا في لحاف امرأة منكن غيرها . وتتميز السيدة عائشة بالعلم الغزير، فقد كان معظم الصحابة يعودون إليّها في الكثير من المسائل الفقهيّة والدينيّة، وقد روت الكثير من الأحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت من أكثر الناس علماً بالحلال والحرام والطب والشعر والعلم، ومن أفقه نساء الأمة. كما تميزت أيضا بالحياء والكرم والجود والصبر وكثرة الصلاة والصوم والتواضع والإيثار، ولها فيه الكثير من المواقف وأشهرها عندما طُعن عمر بن الخطاب وأحسَّ باقتراب أجله، استأذن السيدة عائشة أن يُدفن إلى جوار الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبو بكر، فآثرته على نفسها وقبلت أن يُدفن إلى جوارهما. كان لسيدة عائشة رضي الله عنها مواقف جهاديّة كثيرة، ومنها ما كانت تفعله في ساحة القتال فقد كانت تنقل المياه للمجاهدين تروي ظمأهم، وتُسعف جرحاهم، وتزيد من عزيمتهم على القتال، ويُذكر أنّها نزلت إلى ساحة المعركة في غزوة الأحزاب وتقدمت في الصفوف الأولى من المقاتلين، وقد شاركت في الكثير من الغزوات مع غيرها من نساء التى ساعدن في تحقيق النصر. مرت عائشة في ملابسات حادثة الإفك قيل إنها هي المتهمة وقيل مارية القبطية (رضي الله عنها)،وقد افتعلها المنافقون وتبعهم عليها مسلمون مضللون، ولكنها دحضت بآيات نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وبعد وفاة النبي, روى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قُتل عثمان، كانت عائشة بمكة، وبلغ قتله إليها وهى بشراف، فلم تشكَّ في أن طلحة هو صاحب الأمر، وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلاً . كانت عائشة في مكة، وخرجت من مكة متوجهة إلى المدينة، فمرّ بها راكب وقال: قُتل عثمان وبايع الناس علياً، فقالت: واعثماناه ورجعت إلى مكة فضربت لها قباءً في المسجد الحرام وقالت: يا معشر قريش، إن عثمان قد قتل، قتله علي بن أبي طالب... وأقامت بمكة. لعائشة مكانة مرموقة عند أهل السنة والجماعة وتحاط بواجبات التقدير والاحترام؛ كونها زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أم المؤمنين . توفيت (سنة 58 ه/678م) في شهر رمضان ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت منه سنة ثمان وخمسين وقيل سبع وخمسين وقيل تسع وخمسين من الهجرة، وصلى عليها أبو هريرة ليلاً، وكان لها من العمر 66 سنة وقيل 67 وقيل 63 وقيل 57 سنة.