فى مصر بعد الثورة تحول موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، والذى كان نافذة لكشف الظلم والاستبداد فى عهد مبارك، إلى أداة لتصفية الحسابات، وتوجيه السباب والشتائم، وتجريح الأشخاص والهيئات، وإهانة أى مخالف فى الرأى وتشويه صورته، فضلاً عن حرب التخوين التى تستهدف المعارضين لحزب أو جماعة، أو لمرشح رئاسى، وغارة البذاءات التى تشن ضد أى قلم حر طالما لم يقل ما يرضى الآخرين. المؤسف فى الأمر أن المصريين الذين عانوا الإقصاء والتهميش فى عهد الرئيس المخلوع، صاروا يمارسون نفس السياسة ضد بعضهم البعض، وبات كل منهم يحمل "جينات" مبارك بين جنبيه، والجميع إما أصبح خبيرًا إستراتيجيًا، أو مفكرًا، أو محللا سياسيًا، وعلى أقل تقدير "ناشط"، وصار يحتكر الصواب والحق لنفسه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. بمجرد أن تدلى برأيك على الشبكة العنكبوتية، وفى حال كان رأيا ناقدا، أو وجهة نظر معارضة للبعض، إلا وتجد نفسك فريسة للسباب والشتائم والإهانات، وربما الخلع من "الملة"، وإصبغاء صفات المنافقين عليك، وحرمانك من صكوك المغفرة والإخلاص والإخوة والوطنية. الداء أصاب أبناء الحركة الإسلامية، وبدلا من توظيف شبكة "فيس بوك" الاجتماعية والأشهر عالمياً، والتى صل عدد حسابات مستخدميها ل900 مليون مستخدم، لتكون منبرًا للدعوة والنصح، وتبادل الآراء والخبرات، والتواصل الاجتماعى والثقافى، واكتشاف المواهب والقدرات الإبداعية، تحولت الشبكة بفعل فاعل إلى وكر لممارسة الرذائل وتوجيه البذاءات، وأصبح الموقع بالنسبة إلى البعض "غرزة" للفضفضة والتنفيس والمظهرية وشغل أوقات الفراغ وتجريح من يريد، واتهامه بالبطلان والافتراء عليه، دون أن يلقى بالا لما يقوله ويكتبه، أو أن يكون له أو عليه يوم الحساب. الكثير ممن يستخدمون "الفيس بوك" كانوا يختبئون فى جحورهم فى عهد مبارك، وقلما كنت تجد واحدًا منهم فى وقفة احتجاجية قبل الثورة، أو اعتصام أو إضراب، لكن بعد 25 يناير صار ثوب الثورة فضفاضًا، ومن السهل ب"ماوس" و"كبسة زر" وهو يحتسى فنجانا من الشاى أن يبدو ثورجيًا، وأحيانا معارضًا، ومنظرًا، وداعية فى بعض الأوقات. الجميع إقصائيون.. ليبرالى كان أو يساريا أو حتى إسلاميا، وتتوافر الأدلة الدامغة على "فيس بوك" التى تؤكد اللد فى الخصومة حينما نختلف، والشطط والافتراء حينما يغرد أحد خارج السرب برأى أو قرار أو وجهة نظر مخالفة. كل منا بلا استثناء يحمل فى نفسه "جينات" مبارك، و"هرمونات" الإقصاء تسرى فى عروقنا، واحتكار الصواب والحق صار ماركة مسجلة باسم كل "مصرى مباركى"، دون أن يشعر بالداء، وهو الأمر الذى يعنى أننا فى حاجة لثورة ثانية فى الأخلاق والعقول حتى يكون "فيس بوك" للتواصل الاجتماعى وليس للسباب.