الرئيس القادم سيواجه شعبًا فى حالة فوران ثورى بدون مكابح أو ضوابط، هذا الانفجار العظيم قد وقع بعد كبت طالت أيامه وسنواته تسبب فيه رجل أحسبه من أغبى الحكام فى تاريخ البشرية فى ظنى أن رئيس مصر القادم سيعيش أيامه فوق صفيح ساخن، لأنه سيحكم شعب فى حالة انفجار ثورى لن تهدأ قبل سنوات، وهى مرحلة خطيرة فى حياة الشعوب والأمم، إنها ليست مرحلة التأسيس بل هى المرحلة السابقة على التأسيس، حيث كل شىء غير واضح المعالم، ونحتاج إلى وقت حتى تهدأ فيه تلك العواصف وتتشكل هذه "الهلاميات" فى أشكال محددة ذات أبعاد واضحة، ومن هذه الأشياء نبدأ فى وضع أساسات الدولة التى سوف يجنى ثمارها الأجيال القادمة. الرئيس القادم سيواجه شعبًا فى حالة فوران ثورى بدون مكابح أو ضوابط، هذا الانفجار العظيم قد وقع بعد كبت طالت أيامه وسنواته، تسبب فيه رجل أحسبه من أغبى الحكام فى تاريخ البشرية، حكم وهو أصم وأعمى واستمر هكذا لثلاثين سنة، وظنى أنه حطم رقمًا قياسًا فى "الغباء"، ولا بد أن موسوعة "جينيس" سوف تخصص له فصلاً خاصًا، تعرض فيه لسلوكياته الغبية التى لم يسبقه إليها أحد من البشر. شأن كل المستبدين فى التاريخ، ومثل كل الطغاة، كان لديه صلف وكبرياء تخطى كل الحدود، وبالفعل كما قال لأحد معاونيه إنه "معه دكتوراه فى العند"، لكنى أشك فى هذه الدرجة العلمية التى حصل عليها فى "العند"، بل هى دكتوراه فى الغباء. فى سبعينيات القرن الماضى، كان المصريون يرددون نكتة تقول إن أحد الأشخاص ذهب لزيارة حديقة الحيوان، فلاحظ أن كل الحيوانات تضحك ما عدا "الحمار"، وفى اليوم التالى ذهب نفس الشخص للحديقة فوجد الحمار وحده هو الذى يضحك، فلما سأل أحد العاملين بالحديقة عن تفسير لذلك، قال له إن القرد ألقى نكتة بالأمس، والحمار فهمها اليوم. هكذا بدا الرجل الذى أتت به الصدفة لأن يحكم مصر، دائمًا لا يفهم إلا بعد فوات الأوان، ولا يستجيب إلا بعد أن يشيع الخراب، ولا ينصت إلا وهو مكبل، شأن كل المجرمين. مبارك فكك مصر وباعها فى أسواق الخردة، باع مصر كلها لعصابته، وقال كما قال فرعون: "أنا ربكم الأعلى"، ولا يصدق حتى الآن أن ملايين المصريين يثورون فى وجهه مطالبين بمحاكمته، وكأن لسان حاله يقول: من أذن لكم بالثورة؟ أليس لى ملك مصر؟! إنه نموذج فريد للمخلوق الغبى ذى الحماقة المفرطة، والتركيبة الإجرامية الشديدة الخطورة، وخسئ كل من يدافع عنه بدعوى أنه من أبطال حرب أكتوبر، وهو الذى سجن البطل الحقيقى لحرب أكتوبر (الفريق سعد الشاذلى)، الذى شاءت إرادة الله ألا يرحل عن دنيانا إلا بعدما رأى فيه يومًا، وهو مدهوسًا تحت نعال كل المصريين. إنه سفاك الدماء الذى قتل الآلاف، وشرد الملايين، واعتقل عشرات الآلاف من الشرفاء فى غياهب سجون جهاز أمنه القذر، الذى انتهك الحرمات والكرامات، ووضع على كل فم رقيب يسجل الكلمات، ووراء كل خطوة حسيب يعد الخطوات، ونسى أن يضع تحت كل عين عدادًا يسجل عدد العبرات ووزن الدمعات، للثكالى من الأمهات، والأيتام من الأطفال، ضحايا جهاز أمنه، الذى فاق جهاز البصاصين فى عهد المماليك. إنه المستبد الذى حكم وكأن البلد ملك توارثه، فكان وأسرته يحكمون، وينهبون، ويعتقلون، ويعذبون، ويشردون، ويعربدون فى البلاد ينشرون فيها الفساد، يطردون كل شريف، ويكافئون كل فاسد، فكان نظامًا طاردًا للشرفاء، وحاضنًا للفاسدين والمفسدين، حتى نجحوا وبكل فخر فى تأسيس إمبراطورية عظمى للفساد، ليس لها مثيل فى التاريخ الإنسانى القريب والبعيد. كان خروجه من القصر الرئاسى ولو لمئات الأمتار، يكلف البلد ملايين لتأمين حياته من الملايين التى تكرهه من خلال موكب لا مثيل له فى كل دول العالم قاطبة، وكذا كان موكب زوجته السيدة "الفاضلة" التى كانت ترأس مئات المجالس والهيئات والجمعيات، منهم مجلس لمكافحة الختان، وينفق عليها المليارات من أموال الشعب المقهور، وكذا كان موكب ابنه وأقرانه من اللصوص والمجرمين. ظل الغبى الأحمق، والجبار العتيد يعاند ويستخف بكل ما يقال، ظنًا منه أن لن يقدر عليه أحد، ونجح فى تشكيل جهاز أمن نزعت من قلوبهم الرحمة، سرقوا البلد ونهبوا ثرواتها، وسوف نظل لسنوات نفتح فى ملفات هذا العهد الأسود، وقد نظل لعدة عقود نطالع أبشع حالات الفساد فى التاريخ الإنسانى التى عانى منها المصريون. كان مبارك وبحق هو فرعون هذا الزمان الذى طغى فى البلاد، وأشاع فيها الفساد، واستخف شعبه، وفجر فى جرائمه، فحارب دين الله، وأذل المتمسكين بدينهم، وشجع الانحلال الخلقى، ورعى انتشار المخدرات والدعارة والرقص والطرب، وكل الموبقات والقبائح، فدمر بنيان المجتمع، وطمس هويته، وفرقة المطبلين من حثالة الإعلاميين والصحفيين تزين له سوء أعماله، وتضلل الشعب، متناسين معطيات هذا الزمان، متناسين أننا فى زمن أضحى من المستحيل فيه إخفاء الحقيقة، متناسين الحكمة القائلة إنه إذا استطعت أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، فلن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، لكنهم كانوا يرفلون فى نعيم من حصيلة السلب والنهب، أعماهم عن تلك الحقائق. كان نظام مبارك عبارة عن حاضنة للمفسدين، الذين شكلوا مزرعة كبيرة لكل الفاسدين، وأحاطهم النظام برعايته وحمايته، بالحصانات وبالإعلام الفاسد والقبيح. فى عهد مبارك البائد، وزعت الجوائز على الفاجرين والشواذ، وصنعوا من الفجرة أئمة للمجتمع، ودفنوا كل المصلحين، وانطلقت خيولهم المتوحشة لتدهس كل القيم الفضلى فى المجتمع المصرى، وترمى بحممها إلى الدول المجاورة، لتوسيع قاعدة الفاسدين. سوف نظل كمصريين لعدة أجيال قادمة نسدد فواتير هذا الفساد، الذى أطبق علينا منذ جاءت الصدفة برجل عنيد عتيد ومستبد غاشم، ليحكم بلدًا بحجم مصر. ما ذكرته عن مبارك هو مكمن الخطر على الرئيس القادم لمصر، لأن الصورة الذهنية عن مبارك لدى جموع الشعب سوف تنصرف إلى خلفه ولعدة دورات قادمة، حتى يتمكن الشعب من نسيان جرائم وأهوال هذا الرجل، وإلى أن ينسى الشعب هذا فسوف يدفع الرئيس القادم ثمنًا فادحًا، لأنه باختصار قد ورث سيرة ومسيرة أغبى وأسوأ حاكم فى التاريخ. [email protected]