جددت النيابة العامة طلبها "مناشدتها" لوزارة الداخلية لتنفيذ حكم القضاء بسجن حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق سبع سنوات واجبة النفاذ ، بعد إدانته بنهب وسرقة أموال الوزارة بالمليارات هو وعصابة معه من قياداتها ، وكانت المحكمة قد حكمت على العادلي بهذا الحكم قبل شهر من الآن ، وحتى اليوم لم تنفذ وزارة الداخلية الحكم ، وفي الأخير أرسلت خطابا للنيابة تقول فيه أن العادلي "هارب" وأنه لم يستدل على مكانه ، وأنه جار العمل على ضبطه وإحضاره لتنفيذ الحكم . حبيب العادلي كان يخضع للإقامة الجبرية بحكم قضائي سابق ، وهذا يعني أنه في عهدة وزارة الداخلية وتحت حراستها ، ولا يتحرك إلا بإذنها ، ولا يغادر محل إقامته إلا لضرورة وتحت حراسة مشددة من وزارة الداخلية ، فكيف يصدر حكم سجنه فتقول الداخلية أنها لم تعثر عليه ، هل هناك حكيم أو خبير أمني يمكن أن يشرح لنا ذلك ، الداخلية قالت أنه بصدور حكم سجن العادلي فإن وضعه تحت الإقامة الجبرية يسقط تلقائيا ، حسنا ، كيف عرفتم أنه تم الحكم بسجنه ، كيف بلغكم هذا الحكم بصيغته القانونية ، وهل قرأتم في الصحف أن حكما صدر ضد العادلي فقمتم برفع الحراسة عنه وإطلاق سراحه لحين ورود ما هو جديد ، إن المفترض أن إقرار الداخلية برفع الحراسة عنه يرتبط لحظيا بتنفيذ الحكم الجديد بسجنه ، لا تحتاج المسألة إلى كثير شرح ، أما أن يتم إفلاته من الحراسة المشددة التي أوجبها القانون ، ثم تقول الداخلية أنها تبحث عنه فأعتقد أن هذا ما يستحق تحقيقا ومساءلة قانونية صارمة . محامي العادلي يقول أن موكله لم يهرب ، ولكنه أصيب بجلطات عديدة خلال هذا الشهر بعد معرفته بحكم سجنه ، يعني بمعدل جلطة واحدة كل عدة أيام! ، وأنه يخضع للعلاج لأنه لا يستطيع التحرك نهائيا ، وجميع أعضاء جسمه في حالة شبيهة بالشلل التام ، حسب كلامه ، وطبعا سنصدقه ، ولكن الغريب أن هذا القعيد المشلول المصاب بجلطة لا تعرف الداخلية مكانه ولا مكان علاجه ولا المستشفى التي نقل إليها ولا تعرف له هاتفا مثل الهاتف الذي يحدثه من خلاله محاميه ، مطلوب منا أن نصدق هذا الكلام كله . مصر تعيش أياما لم يسبق أن عاشت مثلها في تاريخها الحديث ، لم يحدث أن غابت الدولة مثلما هو الحال هذه الأيام ، كل شيء جائز وكل شيء ممكن ، وكل جهة لها قانونها الخاص الذي تعمل به ولا يعنيها القانون الذي نعرفه وتعرفه المحاكم والقضاء ، ومنطق "القبيلة" يحكم سلوكيات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ، وهذا ما جعل الخيال العام في مصر يذهب مذاهب شتى في تحليل سبب التستر على حبيب العادلي ، ووصل الخيال إلى حد تصور أن العادلي يملك تسجيلات ووثائق تحرج شخصيات كبيرة في الدولة ، وبالتالي فليس من مصلحة أحد أن يتم استعداؤه وسجنه . مشكلة هذه "السيولة" القانونية ، ليست في بعدها الأخلاقي أو حتى السياسي وحده ، بل هي متصلة بأبعاد كثيرة ، اقتصادية وأمنية ، والمستثمر الذي ينظر إلى دولة تدار فيها الأمور بهذا الشكل يستحيل أن يضع فيها ثقته أو يبني فيها مشاريع ويراهن فيها على مستقبل استثماراته ، إنه يتعامل مع رمال متحركة ، لا قواعد قانونية تحكم ، ولا شفافية ، ولا حقوق مضمونة ، ولا أمان لأحكام قضائية أيا كانت ، ناهيك عن أن التشريعات نفسها تصدر بين ليلة وضحاها ، لتقلب الأمور رأسا على عقب ، ثم نسأل بعد كل ذلك : لماذا تتردى الأمور ولماذا نعاني اقتصاديا ولماذا تهرب الاستثمارات . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1