في الخامس عشر من شهر أبريل الماضي أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكما واجب النفاذ بمعاقبة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق بالسجن سبع سنوات ، وذلك بعد إدانته بالفساد والاستيلاء على المال العام هو واثنا عشر قيادة أمنية أخرى بالوزارة ، بمبالغ وصلت إلى حوالي اثنين مليار جنيه مصري ، كما شمل الحكم أيضا إلزام العادلي والمجرمين الآخرين برد مليار جنيه لخزينة الدولة وتغريمهم بمليار جنيه آخر كعقوبة على ما انتهكوه في حق المال العام وخيانة الأمانة التي أوكلت إليهم . منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ، اثنين وعشرين يوما ، ووزارة الداخلية لم تنفذ حكم سجن وزيرها الأسبق ، ورغم تساؤل قطاعات واسعة من الرأي العام في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن سبب امتناع الداخلية عن تنفيذ حكم القضاء بسجن وزيرها الأسبق إلا أن أحدا لا يجيب ، ولا يفسر ، كما لا يعرف أي إجراء اتخذ من أجل تحصيل حقوق الشعب من هذا المال الحرام الذي انتهبه حبيب العادلي ولا المليار جنيه الذي ألزمته المحكمة بدفعه تغريما لجرمه ، وهو مبلغ يكفي لعلاج عشرات الآلاف من فقراء مصر الذين لا يجدون ثمن حقنة أو حبة دواء ، اثنان مليار جنيه مطلوب إعادتها إلى المال العام ، ووزارة الداخلية لا تنفذ ولا تخبر الرأي العام عن أي شيء . نشطاء أطلقوا وسما "هاشتاج" على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "حبيب العادلي فين" ، دعا بعضهم إلى التطوع لمعاونة وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية المتشعبة من أجل الوصول إلى مكان "اختباء" وزيرها الأسبق ، وهل يجوز أن يتم التنصت على هواتفه لمعرفة تنقلاته "الخفية" ، كما تنصتوا على هواتف النشطاء السياسيين وقادة الأحزاب مما أذيع عبر الفضائيات ومما يتم ادخاره للأوقات المناسبة ، أم أن "القانون" يمنع هذا الإجراء مع حبيب العادلي ، وهل يمكن تصور أن العادلي هرب إلى جبال أسيوط في صعيد مصر مثلا مع المطاريد ، أو في جبل الحلال في سيناء حيث الخارجين على القانون وكوادر تنظيم داعش ، أم أنه غير ملامحه لكي يضلل قوات الأمن فلا تعرفه وهو الوزير الذي لم تغب صورته عن الصفحات الأولى للصحف القومية طوال أكثر من عشر سنوات ، سنوات عزه مع مبارك . في بداية محاكمات العادلي ، نقلت الكاميرات واقعة قيام أحد ضباط الداخلية من حراسات المحكمة بتقديم التحية الرسمية له ، الأمر الذي أثار ضجة حينها ، واختفت بعدها الكاميرات وحجبت عن التصوير ، ولكن المشهد كان كافيا للدلالة على منطق "القبيلة" و "شيوخ القبيلة" الذي يحكم أداء بعض أجهزة الدولة ، كما أننا ما زلنا نذكر كيف أن شخصية عامة شهيرة طلب القضاء ضبطها وإحضارها للمحاكمة ، أيام حكم المشير طنطاوي ومجلس العسكري بعد الثورة ، فظلت تلك الشخصية قرابة عام مختفية عن الأنظار ، ولا تجرؤ أي جهة أمنية على "ضبطه وإحضاره" حتى انتهت المحاكمة فظهر للعيان ، وظهرت معه حكايات ألف ليلة وليلة عن طريقة اختفائه ، وكلها كانت لتضليل الرأي العام عن مظلة الحماية التي بسطت له ، لأن ملايين المصريين كانوا على يقين من أن قرارا من شخص ما أو جهة ما حصنته من السجن ، رغم قرار القضاء . النيابة العامة التي أحرجها الأمر ، والتلقيحات التي يطلقها الرأي العام حول ما يحدث مع المجرم الهارب حبيب العادلي ، وزير الداخلية الأسبق ، دعاها الأمر إلى إصدار بيان رسمي تناشد فيه وزارة الداخلية سرعة ضبط العادلي لتنفيذ حكم سجنه ، ولكن نداء النيابة تبخر في الهواء هو الآخر ، وما زال حبيب العادلي طليقا ، إذ أن من التفسيرات العالمثالثية لمبدأ الفصل بين السلطات في أشباه الدول ، أن للقضاء أن يحكم بما يريد ، وأجهزة الدولة تفعل ما تريد !. [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1