مصر اليوم تصنع عهدًا جديدًا من الحُرِّية حيث تسعى لبناء دولتها الحديثة فى ظل انتخابات الرئاسة التى تشهد تنافسًا ساخنًا فى أيامها الأخيرة، لكن تَبْقى مناظرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لعمرو موسى تاريخيةً بكل المقاييس؛ لأنها كشفت للرَّأى العام الكثير من التبايُن والاختلاف بين سَدَنة النظام البائد ورُوَّاد الثورة المصرية وطليعة الحركة الإسلامية المناضلة. قطعًا هى مرة الأولَى التى حبس خلالها المصريون أنفاسَهم وهم يُتابِعون المناظرة الساخنة على الهواء مباشرة. بدا أبو الفتوح أكثر إقناعًا للجمهور وهو يفتَخِر بماضيه النضالِى وإيمانه بالمشروع الإسلامى، بل كان أكثر هدوءًا وتماسكًا من عمرو موسى الذى بدَا أكثر غطرسة وتوترًا. ويأتى المشهد الملفت من خلال الصنعة الإعلامية الجيدة للمناظرة، والتى قام عليها إعلاميون مُحْترفون التزموا بالمهنية والحيدة والنزاهة والشفافية، وكلها أمور غابت عن الإعلام المصرى خلال الآونة الأخيرة حتى أصبح الضجيج والصراخ هو سَيِّد الموقف فى الإعلام المصرى. انبهارنا بالمناظرة التاريخية وجِدِّية العمل الإعلامى يجعلنا نطالب جميع وسائل الإعلام بضرورة الموضوعية فى التناول والبعد عن مواطن الفتنة والإثارة بين أبناء الوطن؛ فمصر اليوم تحتاج إلى رشد ونزاهة إعلامية، ولا تريد صخبًا من أجل التناطح والتعارك بين القوى السياسية، خاصة ونحن نعيش لحظة فارقة فى تاريخ بناء الأمة. للأسف هناك منابر إعلامية رديئة حاولت خلال الآونة الأخيرة صناعة رئيس من الفلول البائدة لعهد الاستبداد وكان الأمر فجًّا.. وذلك من خلال استطلاعات رأى وهمية وكاذبة تجافِى الحقيقة والواقع، تلك الاستطلاعات التى أبرزت صعود أحمد شفيق إلى المركز الأول على حساب أبو الفتوح الذى هبط للمركز الثالث، وذلك بعد ساعات من استطلاع إحدى المؤسسات الصحفية الحكومية بصعود شفيق إلى المركز الثانِى بعد موسى.. وهذه استطلاعات لا تُعبِّر عن حقيقة الرأى العام بل هى صورة مُزَيَّفة لتضليل الرأى العام. محاولات يائسة لصناعة رئيس من الفلول، وهذا محال لأن الشعب المصرى الذى ذاق حلاوة الحرية لن يعود إلى الوراء حيث عهد الاستبداد والقهر مرة أخرى، لن يعود إلى عصر المماليك والفساد والنهب والسلب مرة أخرى. على العموم أنا أرَى أن المناظرة بين أبو الفتوح وموسى كشفت حقيقة موسى الهزيلة وأنه شخصية فارغة أقرب للكومبارس غير جدير أن يكون رئيس دولة.. فى المقابل استطاع أبو الفتوح أن يُقْنِع الرأى العام أنَّه رجل الدولة القادم، الذى يستطيع أن ينهض بمصر من كبوتها ويَرْتقى بشعبها إلى المقدمة، ولديه الكثير من الحلول للمشكلات والأزمات التى تعيشها البلاد.. ولا ينسينا جمال وحلاوة المناظرة التى لم يعكِّر صفوها سوَى زحمة الإعلانات أن نقدِّم التحية للفريق الإعلامى بقناتى "أون تى فى" و"دريم"، وعلى رأسهما الزميلان يسرى فودة ومنى الشاذلى. وتبقى كلمة.. أخيرًا انتصرت الأمعاء الخاوية على الجبروت الإسرائيلى فى معركتها العادلة من أجل الحرية والكرامة.. انتصر الفلسطينيون بسلاح الجوع ضد التعسف والظلم الصهيونى وفرض الأسرى شروطهم بفضل عزيمتهم القوية، وكان لمصر الدور الكبير فى ذلك، فألفُ سلام وتحية لكل مناضل فلسطينى خلف الأسوار.. سائلين الله أن يفرج كربهم ويفك أسرهم، إنه ولى ذلك والقادر عليه.