كان ما يؤخذ على كنيسة البابا شنودة، أنها صنعت من نفسها كيانًا موازيًا ل"الدولة".. لها اقتصاد مستقل وميزانية مستقلة، وشطرت هوية الأمة المصرية ووضعتها ولأول مرة في أزمة "تعدد هويات".. ما ألقى بظلاله على مجمل المؤسسات الاقتصادية التي يملكها "أقباط"، حين مارست شكلاً من أشكال "التطهير الطائفي".. أو الفرز الطائفي للعاملين بها. هذه الظاهرة لم تكن حصرًا على "الكنيسة" أو على الطائفة القبطية وحدها.. غير أن الأزمات التي دخلت فيها الكنيسة مع المجتمع المصري، شغلت المراقبين عن "النموذج الإخواني" الشبيه إلى حد كبير لمثل هذه الانتهاكات التي تعرضت لها حقوق المواطنة للمسلمين على يد رجال أعمال أقباط. والحال أن الإخوان كجماعة لم تكن بعيدة عن ذات المنحى الكنسي في علاقاته مع غير الأقباط .. ولعلنا نتذكر الضجة الكبيرة التي خلفتها تصريحات القيادي الإخواني الشهير صبحي صالح، الخاصة ب"نقاء السلالة" الإخوانية.. والتي تقوم على "الفرز الاجتماعي" و"العائلي" وضمان الحفاظ على آليات "انتقاء النطف".. حين قالها صراحة "الإخواني لا يتزوج إلا من إخوانية"!! كلام "صالح" يعكس وعيًا "شاذًا" باستعارة خبرة "الطوائف الدينية" داخل النسق الديني المسيحي.. ويفترض في جماعة الإخوان المسلمين "طائفة" دينية تتمايز على صعيد "العقيدة" عن "الطوائف" الأخرى المشكّلة للنسق الديني الإسلامي.. يستوجب "تحريم" الزواج من غير الإخوان.. وهو افتراض كاشف لنزعة "تكفير" مطمورة في اللاوعي الجمعي للتنظيم، تعبر عن نفسها، وقت الأزمات والضغوط والصدام مع المخالفين سياسيًا وأيديولوجيًا. ما صدر من صالح يعتبر جزءًا من منظومة قيم اجتماعية تقوم على فكرة "النقاء التنظيمي" بكل إكسسواراتها وتجلياتها الأوضح والأكبر، متمثلة في نزعة "الإقصاء" لغير الإخواني.. و"التطهير المهني" للمؤسسات من غير الإخوان.. وإعادة الإحلال والتبديل بالكوادر الإخوانية.. على طريقة "الحزب الشيوعي" الصيني أو "حزب البعث" العراقي.. وعلى صعيد أكبر حال وصل الإخوان إلى الحكم ستمسي الدولة هي الإخوان.. ومؤسساتها هي "الحرية العدالة". في ذات السياق.. لم ينتبه الرأي العام.. إلى "المهلة" التي منحتها لجنة "الإعلام" الإخوانية بالبرلمان للمؤسسات الصحفية القومية، بتنفيذ قرار قبول نقل صحفيي "الأمة" و"آفاق عربية" إليها.. والمهلة كانت محددة ب"48" ساعة.. فيما تجاهلت تمامًا صحيفة "الشعب"! اللجنة "الإخوانية" لم تهتم إلا بصحف" إخوانية".. رغم أنها أغلقها أصحابها لأسباب تتعلق بفساد مالي وإداري.. فيما أُغلقت صحيفة الشعب "غير الإخوانية" بقرار من مبارك ذاته؛ عقابًا لها على نضالها الجسور في كشف فساد كبار مساعديه وسكرتاريته ورجال أعماله!! المفارقة هنا بالغة الدلالة.. فالحقوق تظل رهن "النوع" و"السلالة".. ولسان حالهم يقول: ليس علينا في غير الإخوان سبيل!! وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى [email protected]