من المهم بالتأكيد البحث عن الجناة الذين ارتكبوا جريمة الإسكندرية صباح يوم أمس 1/1، وهذه مسئولية الأجهزة الأمنية، وليس من مسئولية النخبة السياسية أن تشغل نفسها بالتحري والبحث عن الجناة، وإنما مهمتها مناقشة الأسباب التي وضعت البلد على هذا المحك الخطير، بصراحة وبدون مجاملة.. إذ بات من الملاحظ من خلال رصد ومتابعة ردود الأفعال أن الكل يحاول الهروب من المسئولية، وارتداء السترة العسكرية والقيام بمهام رجال الأمن!.. أو الاكتفاء بأداء واجب العزاء لضحايا الحادث أو القيام بدور موظفي العلاقات العامة حال طُلب منهم رأي أو تفسير. لقد قلنا أكثر من مرة، هنا في "المصريون" إن الملف القبطي بات "سبوبة" للمتاجرة أو للابتزاز، أو لعقد الصفقات الانتخابية الرخيصة.. الكل يحاول امتطائه، وتوظيفه لمصالحه الخاصة ولتحقيق طموحات سياسية او وجاهة اجتماعية أو دينية أو تحويله إلى شيكات وحسابات بنكية، حتى تنامت في مصر وفي المهجر ظاهرة "أثرياء" الفتنة الطائفية، وانتقالهم من العيش في العشوائيات ليكونوا من مالكي الفيلات والشاليهات والقصور في منتجعات النخبة وأغنياء الرأسمالية الطفيلية الجديدة. لم يشأ أحد أن يفتح هذا الملف الدقيق والحساس، بحس وطني ونقي، لا يجامل الدولة أو الكنيسة.. ولا ينحاز إلا للوطن ومصالحه العليا: يوجد في الطرف القبطي تيارات عاقلة ومهمومة بالوطن، غير أنها لا زالت عند مستوى الحذر في التعاطي مع هذا الملف بسبب خصوصية العلاقة التي تجمع الكنيسة باتباعها والتي تعطي لأعلى سلطة دينية في الكنيسة حرية التنكيل بمعارضيها سياسيا ودينيا. ولا يزال قطاع كبير من النخبة المسلمة تتعاطى مع البابا باعتباره "خطا أحمر" ومع الكنيسة باعتبارها مؤسسة خارج النسق المصري العام، ليس للمجتمع دخل في شؤونها، فيما تتشابك مصالح تلك النخبة مع خزائن المال الطائفي، والذي بات يملك قطاعا كبيرا من المؤسسات الإعلامية المتنفذة.. مع جعل الملف القبطي بوابة "علي بابا" المكتظة بالذهب والياقوت والمرجان، حال جرى التعاطي معه على النحو الذي يرضى الكنيسة باعتبارها الجهة التي برضاها تُفتح خزائن رجال الأعمال الأقباط. الملف القبطي اليوم على هذا النحو، أحال البلد إلى قطعة أرض فضاء، الكل يتسابق لأن يضع يده على جزء منها، تدر عليه مستقبلا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب النخبة.. فيما دخلت الدولة طرفا في هذا السباق، حين تعاملت مع الأقباط ليس باعتبارهم مواطنين تابعين لها، وإنما بالتخلص منهم من خلال إسناد مهمة إدارة شؤونهم عرفيا للكنيسة.. وعلى نحو أحال الأخيرة في الضمير العام القبطي، إلى أن باتت هي مناط الولاء والبراء.. وما ترتب على ذلك من حالة فريدة لم تشهدها مصر من قبل، حيث عمدت القيادة الدينية الأرثوذكسية الحالية، إلى تحويل المسيحية من "دين" إلى "هوية" موازية لهوية الدولة، وإدخال البلد في صراع هويات، أفضى بمضى الوقت إلى عمليات شحن طائفي مكتوم واعادة اصطفاف البلد على أسس طائفية، خاصة وأن الدولة ذاتها شاركت في سياق سياسة الترضية والتدليل في تعميق هذه العزلة الشعورية للأقباط عن السياق الوطني المصري العام. أخطاء جسيمة ارتكبت في حق هذا الوطن، في سياق لعبة التوازنات بين الكنيسة والدولة، لا يسدد فاتورتها إلا الأقباط كمواطنين والبلد كلها في "امنها القومي" وللحديث بقية إن شاء الله [email protected]