مَن وراء مصرع "السفاح" عبد الناصر فى باكستان..؟.. يوم أن استقبل الملك فؤاد ضيوفه على مائدة "عاهرة"..!، كيف كان الرئيس "المدمن" أنور السادات يتفاءل بالبيض المحلى؟.. المشير عبد الحكيم عامر انتقل إلى "تل أبيب" وهو يجلس على "تل قريب" من الميدان.. ، هذه عينات مثيرة مما تسببت فيه أخطاء الطباعة في الصحف . الخطأ المطبعى شر لا بد منه.. يحدث فى كبرى العائلات الصحفية.. لم ينجُ من مصائبه دار صحفية واحدة.. لحظة اكتشافه تكون كارثة يمتد أثرها ربما لقطع عيش المحرر أو حتى رئيس التحرير، بل قد يتسبّب فى أزمات سياسية ودولية عديدة.. ورغم ذلك عندما تتذكره لا تملك إلا أن تضحك من كل قلبك؛ لأنه يتميز أحيانًا كثيرة بالطرافة والفكاهة؛ فشَر البلية دائمًا ما يضحك.. العبد لله عاش نفس الموقف تقريبًا فى أحد مقالاته القريبة جدًّا ، وهو ما لم يلحظْه أحد حتى الآن، ولن أكشف عنه هنا، ربما لأن "باب النجار مخلّع" ، أو خشية غضب رئيس التحرير فأنضم لقائمة "المقطوع عيشهم".. ولأننى عشت نفس الموقف تقريبًا فقد سارعت بإعداد هذا التقرير الذى يُبرز أهم الأخطاء المطبعية التى حدثت فى تاريخ الصحافة المصرية، ربما يكون شفيعًا لى يومًا ما.. بعض تلك المواقف كان ذَا أثر سلبى للغاية أقام الدنيا وأقعدها، والبعض الآخر مر مرور الكرام لتفهُّم القليل لطبيعة العمل الصحفى.. والخطأ نفسه يرجع للعديد من العوامل.. منها لحظة التجميع النهائى للصفحة، أو خطأ المصحح، أو جهل المحرر، أو لسوء الفهم، أو سهو من القائمين على مراجعة العمل، وأحيانًا يكون الخطأ لواقع مأساوى يريد الإعلام تغييره فيأتى مطابقًا للأصل. لم يسلم أحد من تلك الأخطاء بداية من رأس الدولة حتى أصغر فرد فيها، الرئيس عبد الناصر كان له واقعة طريفة فى جريدة "الأخبار" المصرية، حيث يُحكى أنه كان مسافرًا فى إحدى زياراته لباكستان، وكان هناك سفاح شهير يثير الذعر فى مصر، فأوصى وهو على سلم الطائرة، وزير داخليته زكريا محى الدين بسرعة القبض عليه، لكن السفاح لقى مصرعه، وقامت جريدة الأخبار بنشر العُنوانين تحت بعضهما دون فواصل.. خبر سفر عبد الناصر .. ومصرع السفاح، فكانت النتيجة "مصرع السفاح عبد الناصر فى باكستان"!، وأصبح الخبر مشكلة كارثية؛ حيث كان عبد الناصر على خلاف مع التوءم مصطفى أمين وعلى أمين، فأمر صلاح نصر مدير الاستخبارات المصرية وقتها بمصادرة جميع النسخ ووقْف مصطفى أمين وعلى أمين عن العمل الصحفى مع إجراء تحقيق موسع معهما. الملك فؤاد ملك مصر والسودان كان له من الحب جانب، بعدما واجه خبرًا يعد فضيحة بحسابات ذلك الزمن البعيد، حيث استقبل فؤاد بعضًا من السفراء والملوك فى دعوة خاصة على العشاء.. فجاء الخبر بجريدة "الأهرام" بعُنوان... "جلالة الملك يستقبل ضيوفه على مائدة "عاهرة" بدلاً من عامرة، وكانت مادة للتندُّر والسخرية من الملك والملكية، فى وقت كانت مصر كلها تتمنى زوال الملكية الجاثمة على صدور أبنائها.. الراحل أنور السادات هو الآخر صادفه سوء حظ عثِر مع تلك الأخطاء، ويبدو أنها كانت متعمدة نظرًا لتكرارها، فالراحل كان يحب أن يسبق اسمه لقب "الرئيس المؤمن"، وفى إحدى المرات أطلق تصريحًا يعبر فيه عن تفاؤله بالبيض المنتَج محليًّا، فجاء الخبر كالتالى بإحدى الصحف العربية.. الرئيس "المدمن" أنور السادات يعرب عن تفاؤله بالبيض المحلى!، وللسادات موقف آخر، حيث تداخَل خبر نُشر عنه بصفحة السياسة مع خبر آخر بصفحة الأدب، فجاء العنوان بالغ الطرافة، هكذا: "أصدر الرئيس السادات العاشق الولهان..". أما المشير عبد الحكيم عامر فكان يحضر مناورة للجيش قبل نكسة 1967 ، وانتقل للجلوس على تل قريب بعيدًا عن مَيدان القتال، فنشرت الصحف خبرًا يقول: "المشير عامر ينتقل إلى تل أبيب" بدلاً من تل قريب.. وهو ما تسبَّب فى إحالة المسئولين بالجريدة للتحقيق الفورى بتهمة سَب قائد الجيش المصرى.. ولأنه لا يسلم الخبر الرفيع من الأذى حتى تُراق على جوانبه الأخطاء المطبعية، فقد نشرت إحدى الصحف فى السبعينيات عن السيدة حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية فى إحدى جولاتها بمحافظة كفر الشيخ، نشرت خبرًا كان نصه: "وزيرة الشئون الاجتماعية حكمت أبو زيد "تتبوّل" بمحافظة كفر الشيخ"!، بدلاً من "تتجوّل".. ويروى أيضًا أن الصحفى الراحل أنطوان الجميل الذى كان رئيسًا لتحرير "الأهرام" فى بدايات القرن الماضى قد وصله خبر نعى لإحدى الشخصيات الهامة قبل صدور الطبعة بدقائق معدودة ، فكتب تأشيرة لمسئولى الجمع "يُنشر إن كان له مكان". بمعنى أن يُنشر إذا كان هناك مكان للنعى فى الصفحة، لكن مسئول الجمع أخطأ فى قراءة التأشيرة، فظهر النعى فى اليوم التالى هكذا: "وفاة السيد فلان الفلانى.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. إن كان له مكان". الشيخ الخُضرى صاحب التاريخ الأزهرى الكبير نُشرت له صحيفة "الأهرام" خبرًا يمتدح "همته الكبيرة" ونشاطه الهائل، لكن الخبر جاء عكس المراد، حيث كان نص الخبر: "الأهرام تُثنى على عِمّة الشيخ الخضرى الكبيرة"، وكان له عمة كبيرة بالفعل، فثارت ثائرته، حتى قامت "الأهرام" بنشر اعتذار واضح له. النقطة أو الفتحة أو الضمة تغير المعنى تمامًا؛ لذا لا بد من التدقيق فى مراجعتها؛ حتى لا ينقلب المقصود منها، فقد نشر مثلاً فى أحد إعلانات جريدة كبيرة أنها: "أوسخ الصحف انتشارًا". والصحيح أنها أوسع الصحف انتشارًا، لكن تبديل العين بالخاء غير المعنى بصورة مؤسفة. وقد يتسبّب سوء فَهم المعنى فى حدوث ما لا تُحمَد عُقباه لكاتبه، مثلما حدث مع أحد المحررين المبتدئين بجريدة "الجمهورية"، حيث كتب يصف حادثًا مروريًّا تسبب فى سقوط "عسكرى" من فوق دراجته البخارية بهذه الصورة: "انقلاب عسكرى فى مدينة المنصورة"!، وهو ما أثار ضجة سياسية هائلة وقتها بسبب إصابة الجالسين على مقاعد الحكم فى مصر المحروسة بحساسية من فيروس الانقلابات العسكرية. البرقيات التى تُنشر لتهنئة أو مباركة فخامة الرؤساء والملوك لها نصيبها الوافر من الأخطاء، فقد نشرت يومًا جريدة "المِصرى" عام 1948 رسالة من الملك فاروق إلى أحد ملوك دولة عربية شقيقة يعانى مرضًا خطيرًا ختمتها بالآتى: "...وأتضرّع إلى المولى سبحانه وتعالى أن يمُن عليك بالشقاء العاجل".. بدلاً من "الشفاء" العاجل. وقد يحدث أن يتم الخلط بين إعلانين، كما جاء بأحد إعلانات الخمسينيات، حيث تم الخلط بين إعلان تهنئة بمولود جديد وإعلان عن بيع عجل جاموس، فتكون النتيجة هزلية ساخرة: "رُزق حضرة سليمان بك بعجل جاموس رأس كبير جعله الله من أبناء السعادة وتهانينا". الصحف العالمية هى الأخرى لها نصيبها من الأخطاء بما يعنى أنه "لا تعايرنى ولا أعايرك" .. فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية خطأً عام 1875، خبر وفاة الأديب الشهير "فيكتور هوجو"، وبعد عشر سنوات مات فيكتور فعلاً!، فنشرت الصحيفة عُنوانًا طريفًا، كتبت فيه: "نحن أول مَن أعلن نبأ وفاة هوجو منذ عشر سنوات"!. الكاتب الساخر "أحمد رجب" يحكى بنفسه عن موقف غاية فى الطرافة، حيث كان يحضر اختبارًا للمذيعين الجدد بالتلفزيون، وعند سؤال أحدهم عن عاصمة لبنان أجاب أنها "بريوت"، فكتب فى اليوم التالى بجريدة "الأخبار" مقالاً ساخرًا منتقدًا تدنّى مستوى الثقافة لدى المذيع الذى أفاد بأن "بريوت"، هى عاصمة "لبنان"، لكن المصحح لم يلحظْ أن المقال ساخر، فكان أن صحح "بريوت" إلى "بيروت"، فظهر أن أحمد رجب هو الجاهل لا المذيع. وأخيرًا، فيا صديقى المصحح وأخى مسئول التجميع، رجاءً حارًّا دققْ جيدًا فى العمل؛ حتى لا نجد أنفسنا أنا وأنت أرقامًا فى قائمة "المقطوع عيشهم" بسبب الأخطاء المطبعية، على أن يُنشر التقرير بالحبر السرى حتى لا يراه رئيس التحرير..