كتبت على صفحتى فى الفيس بوك، مقالاً من عشرة أسطر ، كتبته بشكل عفوى تعبيراً عن مشاعرى بعد ما رأيته من أهوال فى جمعة العباسية الدامية، كتبته بعد أن شعرت بأننى يجب أن أكتبه، كتبته لأتطهر من ذنب أحسبه كان مؤلماً، كتبته إيماناً منى بأن هذا أهم ما يحتاجه جسد الوطن المنهك؛ ليتعافَى من محنته، وينهض من كبوته ويستعيد عافيته. لم أكن أتصوَّر أبداً أن يحقق هذا البوست هذا الدوى الرهيب، فلم يسبق لى قط أن حظى منشور من منشوراتى بهذا القَبول الهائل، متجاوزاً كل أرقام الإعجابات والمشاركات والتعليقات، كانت المفاجأة مباغتة أجبرتنى على التوقف أمام دلالاتها الصريحة والواضحة والحاسمة بل الكاشفة. كان التفاعل مع المنشور بقوة وسرعة، صرخة وطن، ونداء بشر، أصابهم التعب واليأس، بعدما حلقوا عالياً فى سماوات الحُلم، ولكن الأيام التى انتظروا معها ست الحسن والشاطر حسن، فاجأتهم بأمنا الغولة، فلما رأوا مَن يعيد لهم الأمل، ويضع يده على جرحهم، ألقوا إليه بحبالهم راغبين فى السفر إلى بلاد الحلم والأمل. كتبت فقلت: "أنا أعتذر اليوم لكل ليبرالى خوَّنته لما اختلفت معاه، أعتذر لكل ثورى اتهمته بالتهور والاندفاع، أعتذر لكل واحد تعرض للظلم ولم أدافع عنه؛ لأنه ليس من التيار الإسلامى، وأعتذر للبنت المسحولة، وأعتذر لضحايا محمد محمود، وأعتذر لضحايا مجلس الوزراء، وأعتذر لضحايا ماسبيرو، وأعتذر لهم ودلوقت قدرت أفهم مشاعرهم تجاهنا ساعتها، ودلوقت أقدر أفهم نظراتهم اللى كنت بشوفها فى عينيهم لما يقابلونى، وأعتذر لهم، وأنا عايش نفس شعورهم بالظلم والقهر والمَرار . لكن صدقونى عندنا فرصة نبدأ صفحة جديدة، مش بس كده، إحنا ما عدناش خيار تانى. وأقول لكل إنسان: لكى لا تكون متناقضاً، مهما طال الوقت بين تصريحاتك، أو تشابكت الأحداث أو غامت الصورة، فالضمانة الوحيدة لعدم التناقض هى أن تكون صاحب مبدأ وألا يتجزأ". انتهى البوست. وقد انهالت ردود الفعل، وكانت المرة الأولى التى يدخل فيها على صفحتى هذا العدد من الليبراليين والمسيحيين والبسطاء الذين لا انتماء لهم، ولعل ذلك يرجع لسببين من وجهة نظرى: - أن الكلام جاء على الجرح. - أنهم لم يتوقعوه من التيار السلفى. كانت هناك تعليقات ورسائل مؤثرة جداً أكتفى منها بهذا التعليق من رجل مسيحى لا أعرفه ولا يعرفنى. Samuel William خلاص يا شيخ أنا معاك، يا شيخ أنا لا يمكن أقبل إن حد يهينك، يا شيخ أنا بحترم المسجد زى ما بحترم الكنيسة بالضبط ولا يمكن فى يوم أقبل تدنيسه. أنا معاك يا شيخ ولا يمكن أقبل أن حد يعذبك أو يعتقلك أو يقتلك تانى، بس أوعدنى يا شيخ، أوعدنى محدش يهيننى أو يهين ولادى، أوعدنى تحترمنى وتحترم عقيدتى وده من دينك على فكرة، أوعدنى تحترم حريتى الخاصة، أوعدنى تحترم هوية بلدى وبلدك ونحافظ عليها سوا، أنا معاك يا شيخ بس اوعدنى، وعلى فكرة يا شيخ أنا معاك حتى لو موعدتنيش بس أرجوك متخذلنيش!. انتهت الرسالة. وليس عندى تعليق عليها، فهى تعبر عن نفسها. إن أحداث العباسية وردود فعل الناس على هذا المنشور فتحت عينى على أشياء كثيرة، وكشفت لى مواضع كثيرة للخلل، ولعل أهمها أننى أصبحت على يقين أن لعبة الاستقطاب الحاد والتفتيت كانت هى الكارت الأخطر والأهم، الذى لعب به وراهن عليه فلول النظام، وللأسف انجرَّ لها الجميع، وربما كان السلفيون من أكثر مَن وقع فى هذا الفخ ومع ذلك فقد قدمت لنا أحداث العباسية فرصة العمر للم الشمل، وتضميد الجراح والمواساة لفتح صفحة جديدة قائمة على المشترك والاحترام، ونبذ التعصب والبُعد عما يؤجج الخلاف والتركيز على ما يبنى ولا يهدم ويجمع ولا يفرق، فى مركب واحدة، نحن فإما نصل جميعاً أو الغرق، أظن أنه قد حان وقت خلع نظارات التعصب والتخوين والتشويه؛ لينظر كل منا للآخر بطريقة مختلفة. آن الأوان أن نستمع لبعضنا البعض من جديد. kaledshafey@gmail .com