مفاجأة الانتخابات أصابت النظام و العاملين خداما في بلاطه في الصحف أو "التكايا" الحكومية ، بالرعب و الفزع .. الأول خوفا على عرشه و الثاني خوفا على مصالحه . لم يصدق الطرفان أن الناخبين من جهة و القضاة من جهة سيتحدون "همجية" الوطني .. إذ أقبل الناس على مراكز الفرز رغم البهدلة و البلطجة و التعدي عليهم بالسنج و السيوف و السلاسل و رصاص الشرطة و الذي بلغ مبلغ القتل و إراقة الدماء ، و أسقطوا أصنام الوطني ، و هددوا النظام في هيمنته التقليدية على البرلمان ، و أوشكوا على أن يحرمونه من الأغلبية التي استغلها في تفصيل القوانين و التشريعات على مقاس مصالحه و أجندته الخاصة .. و من جهة أخرى تحدى القضاة تسويف النظام و مراوغته و تهربه و تحايله على الاشراف القضائي الكامل على الانتخابات و خوفه من اقرار قانون السلطة القضائية .. و اجتهد القضاة على قلتهم .. في اجهاض مخططات التزوير الحكومية ... و تحملوا مثل بقية الشعب البهدلة و الضرب و الاهانة و تعدي رجال الشرطة عليهم .. و غلوا يد النظام في بعض الدوائر و قطعوها في البعض الآخر .. و فضحوا زملائهم ممن انكسرت عيونهم أمام هبات المعز و ذهبه و شاركوه في تزوير إرادة الناخبين . الانتخابات الأخيرة كانت "ملحمة وطنية" أبطالها الحقيقيون هم الناخبون .. و معظم القضاة .. و لعل كُتّاب الحكومة في "صحافة الخدم" قد انتبهوا إلى هذه الروح "الاستشهادية" التي تحلى بها الطرفان في سبيل استعادة مصر ممن اختطفوها بالقمع و الارهاب و التعذيب و التزوير . و لذا نال هذان الطرفان على وجه التحديد النصيب الأوفر من الأذى و القاذورات التي كان يتلفظ بها أكثر خدام النظام انحطاطا و قابلية للاستئجار و القيام بالمهمات القذرة و الواطية .. ابتغاء الحفاظ على مقعد رخيص ، في صحف باتت أكثر اسفافا و خيانة لأمانة الكلمة و شرف القلم من الصحف التي اعتدنا أن نطلق عليها "صحفا صفراء" ! فالشعب المصري بات في نظرهم بعد أن أسقط نواب الوطني شعبا قاصرا لا يفهم و لا يستحق الحرية و لا الديمقراطية و ينبغي أن لا نتركه يتمتع بهما قبل أن نعلمه "كيف يختار" !! و لقد وجه كل هذه الاهانات للشعب المصري واحد ممن أنعم عليه النظام بنعمة "رئيس تحرير" بإحدى التكايا الحكومية .. في برنامج تلفزيوني .. و رفض الاعتذار للشعب المصري .. بعد ان طالبه المشاركون معه في البرنامج بذلك .. و قال متحديا و بكل صفاقة : أنا لن اعتذر لأني مقتنع بما قلته ! أما القضاة فقد اتهموا بأن "ميولهم إخوانية" وأن المستشارة "نهى الزيني" التي أدلت بشهادتها عن التزوير هي "سيدة محجبة ́و لا تصح شهادتها و انها من أسرة ذات أصول إخوانية !! و دعا الكتاب في "صحف الخدم" إلى أن يعود القضاة إلى المحاكم ، و يتركوا الانتخابات لشأنها ، حتى "لا تتعطل مصالح المتقاضين" ! و انه في الدول المتحضرة لا يشرف القضاة على الانتخابات .. و بلغ الأمر مبلغ التحريض على المواد التي تشترط الاشراف القضائي الكامل على الانتخابات بالدستور .. و مطالبة الأسياد في قمة السلطة بالتدخل لإلغاء هذه المواد لوضع حد ل"شغب القضاة" !! إن أفضل ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة أنها قسمت المشهد السياسي المصري إلى فسطاطين : السلطة و أجهزتها و صحافة الخدم من جهة وفي مواجهة الشعب و القضاة و القوى الوطنية الأخرى من جهة أخرى .. و هي قسمة لم تكن موجودة من قبل ، و لعل من بركتها أنها وضعت الحدود و الفواصل بين قوى الحق و قوى الباطل .. بين التيار الهمجي و التيار المتحضر .. بين قوى الظلام و قوى النور وهي عملية فرز كانت ضرورية .. و الحمد لله أنها قد حدثت و عجلت بها الانتخابات البرلمانية الأخيرة .. ليتحقق فيها سنة الله في خلقه " فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " [email protected]