حكمت الفراعنة مصر ردحاً من الزمان, ولكن الأكثر شهرة، هو الذى كان فى عهد موسى عليه السلام, إذ لما أخبره بعض المنجمين أنه يولد فى هذا الزمان طفل يكون هلاكه على يديه, بادر إلى ذبح كل طفل يولد بالرغم من إيمانه بصحة النبوءة, والتى تقتضى الوقوع دون إمكان المدافعة!! ولقد نجا موسى عليه السلام من القتل, بما أوحاه الله إلى أمه كما جاء فى القرآن (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم) وطمأنها الله تبارك وتعالى وبشرها بقوله (ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك و جاعلوه من المرسلين)، ثم تربى موسى عليه السلام فى قصر الفرعون, بعد أن تعلقت به السيدة آسيا وقالت (قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) ولما حان وقت إرسال الرسالة السماوية, طلب موسى من ربه أن يجعل أخاه هارون وزيراً له يشد من أزره ويصدقه, فكان له ما أراد بإذن ربه, وانطلق مع أخيه ينفذ ما أمر الله تعالى به وبدأ بالقول اللين والخطاب الحسن، كما جاء فى القرآن الكريم (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) ولكن العادة فى منهج الفراعنة عدم قبول النصح والتوجيه من الرعية حتى ولو كان الحق واضحاً جلياً كما جاء به موسى وهارون عليهما السلام (فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) فأبى الفرعون واستكبر, وأكد أنه الرب الأعلى!! ووقعت المناظرة الكبرى فى يوم الزينة بناء على طلب موسى عليه السلام, وهو يوم احتفال كبير وعيد قومى, واستعمل موسى عليه السلام العصا التى تحولت إلى حية ضخمة تلقف وتبتلع كل ما صنع السحرة من إفك, فآمن السحرة بما جاء به موسى وهارون عليهما السلام وخروا ساجدين فغضب الفرعون وتوعدهم بالقتل والصلب فى جذوع النخل ولكنهم أبوا أن يرجعوا عن دينهم مهما لحقهم من أضرار, وثبتوا على ماهم عليه من حق, فلما شاهد الفرعون ذلك ووجد الشعبية فى بلاطه ستتحرك لصالح المشروع الجديد بادر إلى المناورة السياسية، كما وصفها بعض المفسرين فى قول رب العزة على لسان فرعون فى القرآن (يا هامان ابن لى صرحاً لعلى أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى) وذلك ليعطى فرصة لنفسه وأتباعه بمقدار زمن بناء ذلك الصرح أو البرج الشاهق حتى يرتب أوضاعه ويمتص آثار هذا الحدث الكبير!! ولم ينس الفرعون أن يشكك فى هذا حتى يطمئن ويثبت أنصاره بقوله، كما جاء فى القرآن (وإنى لأظنه كاذبًا). ثم لما أمر الله موسى أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر إلى الأرض المقدسة لم يتركهم الفرعون فهم خدمه وعبيده لا يستغنى عنهم أبداً!! فأسرع إلى اللحاق بهم ومعه جنوده وأتباعه فبالرغم من أنهم تركوا له البلاد طولاً وعرضاً وفروا بدينهم بعد أن ذاقوا من الفرعون أصناف العذاب والهوان إلا أن الصراع بين الحق والباطل لا تنفك عنه البشرية ما بقيت السماوات والأرض, وهكذا تمت المطاردة حتى وصل الفريقان إلى شاطئ البحر الأحمر فعبرت الطائفة المؤمنة على الطريق اليبس الذى ضربه الله لهم فى البحر من خلال ضربة من عصا موسى بإذن ربه ثم أطبق الله على الباقين من أتباع الفرعون فغشيهم من اليم ما غشيهم وغرقوا جميعاً. ولما عاين الفرعون الموت وشهد الآية أراد أن يؤمن بعد فوات أوان التوبة فقال آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) فلم يقبل الله تبارك وتعالى توبته بقوله (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين). وهكذا هلك الفرعون وأتباعه وهم فى حالة رفض لكل هذه الآيات التى جاء بها موسى عليه السلام، والمشهد يتكرر فى كل عصر وحين فهناك من الحكام كشاوسيسكو لم يقبل بالواقع الجديد, ولم يسلم بمطالب شعبه العادلة ولم يزل يناور حتى داهمته النهاية المحتومة يوم لا ينفع فيه الندم ولا تجدى فيه الاستجابة للمطالب قال تعالى (إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد). وما أشبه اليوم بالبارحة فلقد رفض الرئيس مبارك كل دعاوى الإصلاح، التى كانت تطالب بها قوى المعارضة وأجرى الكثير من المناورات السياسية، وقام بتعديلات دستورية تصب فى مصلحة الحزب الوطنى فحسب ولم يرض عنها الشعب، الذى جعل منه خداماً له ولحاشيته وطارد كل المعارضين فسجن بعضهم وقتل آخرين, ولما قامت ثورة 25 يناير، وتمسكت الجماهير الحاشدة بمطالبها, وظهر الصمود الشعبى والإصرار على المطالب بدء فى تقديم التنازلات المتأخرة عن الواقع كثيراً, وكان بوسعه الفرار مبكراً خارج البلاد لكن الله طمس على بصيرته فحاول المراوغة والمقاومة لكنه فشل, وحين وضعوه رهن الإقامة الجبرية وقررت النيابة حبسه علم أن للكون إلهاً فقال {ربنا كبير}!! وعما قليل سينتهى المشهد وتطوى صفحة مبارك ويسطر التاريخ عن حقبة قاسية عاشها الشعب المصرى فى ظل حكمه الفاسد فسبحان الحكم العدل له الملك وإليه يرجع الأمر كله.. ونحن فى هذه الأيام نستعد لاختيار رئيس جديد يتولى الحكم فى البلاد فعليه أن يجعل نصب عينيه تلك العبرة والعظة ويتقى الله فى شعبه ويسارع فى تنفيذ خطى الإصلاح بالاشتراك مع كل القوى الوطنية وعدم إقصاء أحد بل والاستماع إلى كل ما يرفع إليه من شكاوى ونصائح ويعمل على تحقيق مطالب الثورة وإنصاف المظلومين والنهوض بمصر نحو مستقبل أفضل يليق بمكانتها التى فُقدت على المستوى المحلى والدولى. هذا ونسأل الله أن يوفق مساعيه ويلهمه الرشد فى اختيار بطانته وحاشيته من أهل الكفاءة والاختصاص والخير والبر والصلاح.