(واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) الأنفال:25، فاقتفاء مصادر الفتنة والقضاء عليها هو الذى سيحفظ للناس حقوقهم وأمنهم على المدى الطويل.. وهو الذى سيزيل العدوان ويرسم الخط الفاصل بين الظالم والمظلوم.. ويركز مثيرو الفتن على أمور حقيقية موجودة على أرض الواقع الاجتماعى والتاريخى.. إذ من سنن الحياة أن ينقسم الناس إلى ملل، وأن تتباين أفكارهم وأطروحاتهم.. لكن الاختلاف أمر والفتنة أمر آخر.. فالاختلاف أمر طبيعى يمكن حله بالاتفاق والعرف والقانون والتعايش.. أما الفتنة فهى عدوانية لا تسمح لا بالتعايش معها ولا بالتقيد بها.. إنها تحيل الجسم السليم إلى جسم سرطانى مريض يأكل بعضه بعضًا.. فيصير المسلم فى اقتتال مع أخيه المسلم.. والعربى مع ابن بلده والمفكر فى تضاد مع نصيره المفكر الآخر.. الفتنة فى اللغة، هى: ابتلاءٌ وامتحان واختبار.. لذا لابد أن يمر بها جميع الناس؛ حتى يتميز الخبيث من الطيب.. يقول الله جلَّ وعلا{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(*) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 2,3] وقد ورد لفظ الفتنة فى القرآن نحو 70 مرة، وكلها تدور حول هذا المعنى الفتنة فى نظر الإسلام أشد من القتل.. لأن القتل يعنى الموت الجسدى.. بينما تمثل الفتنة فى الدين الموت الروحى. إن القوى الداخلية للفتنة اليوم، هى ليست قوى محلية يدعمها الاستعمار، مثلما كان يحدث سابقًا.. ولا يستبعد ذلك.. وإنما هى أساسًا إنتاج أفرزته أنظمة سابقة.. ودخلاء على أرضنا وفى صفوفنا.. والفتنة الأخطر فى ظرفنا الراهن، هى عندما يتلقى البعض أوامر وتوجيهات من أطراف دولية وإقليمية وتسمح لجماعات أن تتسلل إلى أرضنا.. ونؤويها فى بيوتنا، إننا نعيش فتنة باستدراج داخلى وبأدوات محلية.. اشترك فيها الكثير ومن كل الطوائف والقوميات وهو ما أساء لوحدة هذا المجتمع وأطال فى معاناته وأعطى مبررًا للاحتلال بالبقاء.. وإلى حركة الإعمار والبناء فى التأخير والتأجيل، فالسبب الأساسى فى نشأة الشبهات ضعف البصيرة وقلة العلم.. لاسيما إذا أقترن بفساد النية واتباع الهوى.. كشأن المنافقين وأصحاب البدع، الذين ما وقعوا فى البدع إلا بعد أن اشتبه عليهم الحق بالباطل والهدى بالضلال.. وأكبر باعث للشُبهات فى زماننا، هو الإعلام الفاسد، الذى ينشر الفهم الفاسد الناشئ عن التحاكم للعقول والأهواء، فيلبسوا على الناس الأمور ويقعوا بسبب ذلك فى الفتنة فنحن نذكر الفتنة الكبرى، تلك الفتنة التى اندلعت فأدت إلى مقتل ثالث الخلفاء الراشدين، ذى النورين سيدنا عثمان بن عفان "رضى الله عنه"، وهو الذى كانت تستحى منه ملائكة الرحمن، ثم استشرت حتى قادت إلى اقتتال سيدنا على بن أبى طالب "كرم الله وجهه" وسيدنا معاوية بن أبى سفيان "رضى الله عنه". لقد أنبأ الرسول بما سيحدث بعد وفاته بثلاثين عامًا فى معجزة عظيمة، أسفرت عن التئام شمل المسلمين بعد عَقْدٍ كاملٍ تقريبًا من الفتن والمؤامرات والدسائس التى حاكها أهل الفتن من اليهود والمجوس والشيعة. لقد سار "الحسن بن على" على نهجه الذى اختاره من حقن دماء المسلمين، كما كان يُوصِى أباه من قبل؛ فحفظ الإسلام والمسلمون له هذا الصنيع طوال الدهر. وإنه لدرس لنا جميعًا بالتنبُّه لأهل الفتن ومكائدهم، هذا الدرس دفع الصحابة ثمنه غاليًا؛ فعلينا ألا نكرِّر هذه التجرِبة، عسى الله أن ينجِّى هذه الأمة من السوء. [email protected]