خبراء: الخفض مؤقت واصطناعي نتج عن تحكم البنوك في السعر وليس من زيادة الإنتاج أو التصدير والاستثمار أسبوعان هبط خلالهما الدولار من مستوى ال19 جنيهًا إلى 15 جنيهًا، لأول مرة عقب قرار "تعويم الجنيه" في نوفمبر الماضي، مخالفًا غالبية التوقعات التي كانت تشير إلى تخطى الدولار حاجز 20 جنيهًا، ويعود هذا التغير المفاجئ لمستويات الدولار الأمريكي في مصر بحسب ما أكد عدد من خبراء وأستاذة الاقتصاد إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها تراجع الواردات لتصل إلى 7 مليارات دولار وارتفاع الصادرات لتصل إلى 2 مليار دولار خلال عام 2016، بالإضافة إلى وجود حالة من الركود التام في السوق المصرية وذلك بفعل الارتفاع الجنوني للأسعار وارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى 30% وهو مستوى لم تشهده مصر في تاريخها كله. وشملت التفسيرات كذلك "ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلى 26 مليار، وزيادة تدفق العملة الصعبة من الخارج من خلال ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج لتصل في الربع الرابع إلى 4.6 مليار دولار، وارتفاع عمليات بيع سندات وأذون الخزانة لتصل إلى 4 مليارات دولار، وتثبيت سعر الدولار الجمركي إلى حد ما، الأمر الذي يقلل من مخاطر تقلبات سعر الصرف. وأرجع الدكتور هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا، أسباب انخفاض الدولار خلال الأيام الماضية، إلى ترشيد عمليات الاستيراد وإيرادات السندات والقروض، مؤكدًا أن هذا الانخفاض مؤقت إذا لم يحدث تحسن في الموارد الرئيسية للدولار كالسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المصريين بالخارج وإيرادات قناة السويس. وأضاف "توفيق"، في تصريحات ل"المصريون"، أن هذا الخفض اصطناعي ونتج عن تحكم البنوك في سعر الدولار، وليس ناتجًا من زيادة الإنتاج والتصدير والاستثمار ومن ثم زيادة المعروض من الدولار، مؤكدًا أنه من الممكن أن يعود إلى سيرته الأولى قبل التعويم حال عدم تحسن الموارد الرئيسية للدولار إلى الاستثمارات المباشرة التي تنتظر قانون الاستثمار الجديد. فيما رأى الدكتور مدحت نافع المحلل الاقتصادي، إن هذا الانخفاض مُرتبط بمرور الفترة الساخنة من التسابق على الحصول على دولارات، من أجل تحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة في مِصر، وكذلك تثبيت سعر الدولار الجمركي، بالإضافة إلى أن البنك المركزي، الذي يعد أحد المشترين الكبار، قد توقف عن الشراء لفترة ما، مؤكدًا أن أهم شيء في استقرار سعر الدولار، هو أن تستقر إيرادات الدولة من الدولارات، التي قد تأتي من خلال عودة السياحة، وزيادة الاستثمارات الأجنبية داخل الدولة.
وأكد "نافع"، في تصريحاته ل"المصريون"، أن هذا الانخفاض لن يستمر طويلاً بحد أقصاه شهر مارس، لأن الأصل في خفض سعر الصرف استقرار الإيرادات الدولارية والسياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس.
وتابع أن الانخفاض لن يستمر بسبب عدم وجود سقف واضح لسعر صرف الدولار واتباع سياسة التعويم الحر بدلاً من التعويم المدار، الذي له مخاطر كثيرة مشيرًا إلى أن ارتفاع معدلات التضخم السنوية في مِصر ووصوله إلى28.1% في شهر يناير، هو نسبة متحفظة للغاية، لأنه حينما يقترب معدل التضخم السنوي على أساس شهري من 30%، فهذا متحفظ للغاية.
وقال: «كلنا نستطيع أن نحدد حجم التضخم أكثر من هذه النسبة بكثير، لأن التضخم الشهري وصل إلى نسبة 4%، وهذا معدل كبير للغاية».
فيما رأى الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، أن زيادة التحصيلات الأجنبية وراء هذا الانخفاض، موضحًا أن الاحتياطي النقدي وصل إلى 26 مليارًا و300 مليون جنيه وهو ما يغطى 6 أشهر من نفقات الاستيراد في مصر.
ولفت إلى ضرورة وصول الاحتياطي النقدي إلى 45 مليار جنيه وذلك من خلال الاهتمام بالموارد الرئيسية لزيادته كالسياحة وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس، بالإضافة إلى أحداث توازن بين سعر الصرف والبيع للدولار.
كما لفت أبو بكر الديب، الخبير في الشأن الاقتصادي، إلى أن زيادة تحويلات المصريين من الخارج 15%، بقيمة 3,3 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر، وطرح السندات المصرية الدولارية في السوق الدولي، والتي وصلت إلى 4 مليارات دولار، أدى لارتفاع الاحتياطي الأجنبي إلى 26,3 مليار دولار، فضلاً عن رفع الحظر عن السفر إلى بعض الدول الأوروبية آخرها الدنمارك.
وقال الديب إن انخفاض شكاوى الشركات الأجنبية في مصر بخصوص مشاكل نقص العملة، وارتفاع الصادرات بنسبة 8,5%، وانخفاض في الاستيراد في يناير الماضي بنسبة 15 %، وسداد متأخرات الشركات الأجنبية».
وأوضح أن الفترة من مارس إلى يونيو المقبلين، ستمثل عنق الزجاجة للاقتصاد المصري، حيث ستزداد الضغوط علي الدولار والعملات الأجنبية بسبب استيراد مستلزمات شهر رمضان المبارك، إضافة إلى قضاء العمرة بالأراضي السعودية، متوقعًا حدوث انتعاشة للاقتصاد عقب شهر رمضان.
ومن جانبه، قال "النحاس" إن البنك المركزي ضخ 6 مليارات دولار في البنوك للسيطرة على سعره، وللتأكيد على أن الدولة أصبحت قادرة على السيطرة على سعر الصرف.
وأوضح أنه بحسب الأرقام المعلنة لحصيلة ما جمعه البنك المركزي كان من المفترض أن يرتفع الاحتياطي إلى 32 مليار دولار، ولكن البنك المركزي أعلن ارتفاعه إلى 26 مليار دولار. وتساءل عن المكان الذي ذهبت فيه ال6 مليارات دولار مشيرًا إلي أن انخفاض الدولار سيكون مؤقتًا. وانتقد سياسة وزارة المالية بفرض ضرائب لتعويض عجز الموازنة على حساب المواطن.
على جانب آخر قال الدكتور نور أبو حتة، عضو اتحاد الغرفة التجارية، إن انخفاض سعر الدولار مقابل الجنيه في البنوك الرسمية والسوق السوداء أمر متوقع، ويؤكد صحة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخرًا من تعويم سعر الجنيه وتحرير لسعر الصرف.
وأكد "أبو حتة" أنه على الرغم من شعور الجميع بصعوبة وقسوة تلك القرارات إلا أنها كانت كالدواء المر الذي لابد منه.
وأضاف أن سياسة الحكومة اعتمدت بشكل رئيسي في مواجهة ظاهرة الارتفاع على خلق حالة من الكساد لأسواق السلع المستوردة، وغلق باب الاستيراد للسلع الاستفزازية وزيادة الجمارك ومضاعفتها علي سلع الكماليات.
وأشار إلى تشجيع الصناعة المحلية والاتجاه بقوة نحو الاقتصاد الرأسمالي الذي ينقح فيه السوق نفسه من عوامل الفساد والاستغلال وذلك بكسر الاحتكار وخلق فرص التنافسية.
وتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة مزيدًا من الانخفاض لقيمة "الدولار" وسيصل خلال فترة وجيزة لأقل مستوياته ومن ثَم سيخيم بظلاله بالإيجاب على احتياجات ومتطلبات المواطنين وبالتالي سيساهم في تخفيف الكثير من الأعباء من على كاهلهم.
ويرى الدكتور إيهاب دسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، أن غالبية الواردات المصرية تأتي من الصين، وحاليًا فالاستيراد من الصين متوقف مؤقتًا، إذ أن الصين تحتفل حاليًا برأس السنة الصينية، وهو الاحتفال الذي يستمر لمدة شهر كامل يتوقف خلاله الاستيراد من الصين، ويستأنف ابتداء من يوم 15 فبراير.
وأوضح الدسوقي في تصريحات ل"المصريون"، أن فترة توقف النشاط التجاري في الصين تعني أن هناك مليارًا ونصف مليار دولار مجمدة تقريبًا حتى 15 فبراير موعد انتهاء إجازة الصين، وبعد تلك الفترة سيشهد السوق إقبالاً كبيرًا على الدولار من أجل استئناف نشاط الاستيراد، مشيرًا إلى أنه منذ نهاية فبراير حتى نهاية مارس سيزيد إقبال التجار على الدولار من أجل استيراد السلع الخاصة بشهر رمضان، ما يتوقع معه زيادة سعر صرف الدولار من جديد.