قالت منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، إن أزمة نقص الموارد المخصصة للصحة لا تنفصل عن أزمة إدارة الموارد المتوافرة واستغلالها. جاء هذا تعقيبًا على مخالفة الحكومة للمادة 18 من الدستور، التي تنص على التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، وهو الاستحقاق الدستوري الذي خالفته الحكومة في الميزانية الأخيرة. وتضرب "مينا" في حوار لها مع موقع "مدى مصر"، المثل بمستشفى الإسماعيلية العام حيث تقول: «أُنشئت مستشفى الإسماعيلية العام منذ 15عامًا بميزانية 120 مليون جنيه. وفي المقابل، فإن خطة تطوير المستشفى رُصد لها 400 مليون جنيه -أي ما يزيد عن ثلاثة أضعاف إنشاء المستشفى كلها- ويشمل التطوير تغيير شبكات الغاز والدهانات والأرضيات»، تتعجب مينا: «يحدث هذا في الوقت الذي تعاني فيه المستشفى من نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية». ومرر مجلس النواب موازنة العام المالي الحالي في يونيو الماضي دون مراجعة لالتزام الحكومة بالنص الدستوري الواضح بخصوص ميزانية الصحة. فالحكومة لم تلتزم بالمادة الدستورية، وسعت إلى «إعادة تسمية» بعض المخصصات كي تتلاءم الموازنة شكليًا مع النصوص الدستورية. وتبنت الحكومة في مشروع الموازنة توصية من لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب كانت ضمن تقرير صادر عنها. وطرحت التوصية ضم الإنفاق الحكومي لوزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها ومديريات الشئون الصحية بالمحافظات، بالإضافة إلى إنفاق الهيئة العامة للتأمين الصحي والمؤسسات العلاجية، وكذلك ما يُنفق على المستشفيات التابعة لوزارة الداخلية والقوات المسلحة وإنفاق شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام التي تعمل في مجال تصنيع الأدوية وتوزيعها، كي يصل الرقم في الموازنة العامة إلى النسبة الدستورية المقررة. ووفقًا لهذا المفهوم فإن الاعتمادات المدرجة بمشروع الموازنة، والمخصصة لقطاع الصحة تبلغ 101.3 مليار جنيه تمثل 3.65% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 49.8 مليار جنيه فقط في النسخة الأصلية للموازنة العامة. هذا المنهج الحكومي العام في “ترحيل الأموال” حاولت مينا أن تستغله في مطالبة مستشفى الإسماعيلية العام برصد جزء من ميزانية التطوير المخصصة لها (400 مليون جنيه)، لسداد مديونيات المستشفى لشركات الأدوية والمستلزمات كي تتمكن من الاستمرار في العمل. وجاء الرد بأن «هذا بند مختلف في الميزانية». تعلق: «بالفعل هو بند مختلف، لكن يحق للوزير تحريك الأموال بين البنود المختلفة بموافقة وزير المالية ورئيس الوزراء، لكن لا يُعقل أن تتوقف المستشفى بسبب مديونياتها، ونحن نصر على تغيير الدهانات والأرضيات!». لهذا تستقبل منى مينا دعوات زيادة المخصصات المالية لقطاع الصحة ببعض الحذر: «عندنا حذر في الحديث عن زيادة المبالغ دون الحديث عن الرقابة عليها ومنع إهدارها، لأننا نرى مبالغ طائلة يتم إهدارها. لن يكون أحدنا سعيدًا بزيادة الإهدار». وبمد المنطق ذاته على استقامته، يمكن فهم موقف وكيلة نقابة الأطباء من الدعوة لخصخصة مستشفيات التكامل التابعة لوزارة الصحة. فقد أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر الماضي بدراسة عرض مستشفيات التكامل على المجتمع المدني والقطاع الخاص لتحقيق الاستفادة منها وزيادة حجم الخدمات الطبية المقدمة، وكذلك العمل على إيجاد آليات فعالة لعلاج المواطنين غير القادرين، بحسب بيان المتحدث باسم الرئاسة. مستشفيات التكامل هي عيادات كبيرة أُنشئت في المناطق الريفية المكتظّة بالسكان، وتمثّل مرحلة وسيطة بين وحدات الرعاية الصحية والمستشفيات المركزية. لا يوجد إحصاء دقيق بعدد تلك المستشفيات، إلا أن أغلب الأرقام المنشورة تقدرها بما يزيد عن 500 مستشفى. تحتوي الواحدة منها على عيادات طبية وغرفة مجهزة لإجراء عمليات جراحية بسيطة، وهو ما يؤهلها لتقديم خدمة صحية جيدة لسكان هذه القرى، وبالتالي تقليل الضغط على المستشفيات المركزية والعامة. ترى منى مينا أن مستشفيات التكامل يمكنها لعب دور هام، إذا كان لدينا خطة حقيقية لتأمين صحي اجتماعي شامل لضمان وصول الخدمة الصحية إلى المرضى في أماكنهم. وأن قدرًا من التعديل على الطريقة التي تُستغل بها الموارد يمكن أن يؤدي بشكل كبير إلى تحسين دور تلك المستشفيات. وتتخوف مينا من أن منطق خصخصة مستشفيات التكامل سينسحب أيضًا على المستشفيات المركزية بسبب فقر إمكانياتها. «أنا مؤمنة إن القطاع الخاص له دور في علاج المرضى، لكن القطاع الخاص من حقه يبحث عن الربح»، وتوضح أن تدخُّل القطاع الخاص في إدارة أو ملكية مستشفيات التكامل، التي تعمل في الأساس في مناطق فقيرة، يعني ارتفاع تكلفة الخدمة الصحية المقدمة لهذه المناطق، لضمان تحقيق هامش الربح المطلوب للقطاع الخاص، ما يزيد الضغوط الاقتصادية على سكان تلك المناطق في ظل خصوصية الخدمة الصحية: «المواطن قد يستغني عن الشراء إذا ارتفعت الأسعار، لكنه لن يستطيع الاستغناء عن الخدمة الصحية حتى إذا ارتفعت أسعارها». بالنسبة لها، فإن حصر الخيارات بين ثنائية إهدار الموارد أو التوجه للخصخصة أمر غير منطقي. وبحسب بيانات البنك الدولي، انخفضت نسبة الإنفاق على الرعاية الصحية في القطاع العام من إجمالي الإنفاق على الصحة في مصر من 46.5% عام 1995، إلى 38.2% عام 2014.