عندما نسمع كلمة ( المحليات ) تتبادر إلى الأذهان على الفور الكلمة الشهيرة للدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك والنائب الشهير بمجلس الشعب سابقاً : " الفساد فى المحليات وصل للركب " . ويؤسفنى القول إنه رغم مرور أكثر من 20 عاماً على مقولة زكريا عزمى إلا أن المحليات كانت ولا تزال حتى الآن المرادف الأول للفساد لأنه لا توجد لا إرادة سياسية ولا حتى نوايا جادة لمواجهة هذا الفساد الذى تتزايد معدلاته يوماً بعد يوم . لذلك أؤكد أنه لا فائدة من الحديث عن أى إصلاح أو تغيير فى مصر بدون إصلاح أوضاع المحليات ومواجهة الفساد المنتشر فى أوصالها بجميع المحافظات بدون إستثناء . وفى هذا السياق أؤكد على مطالبتى للجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب والتى تواصل حالياً عقد جلسات الاستماع والحوار المجتمعى حول قانون الإدارة المحلية ، بحضور الشباب والشخصيات العامة والخبراء فى مجال المحليات والمعنيين بالقانون لبحث كيفية إجراء انتخابات المجالس المحلية , بألا يقتصر عملها على مجرد مناقشة الإنتخابات القادمة للمحليات المقرر إجراؤها خلال الاشهر القليلة القادمة , وأن تتم توسعة المناقشات لتشمل مناقشة القضية الأهم وهى فساد المحليات والتى لا تقل خطراً عن الإرهاب والمخدرات ..الخ . لذلك يجب أن يتم البحث عن كيفية تحجيم الفساد داخل المحليات وتفعيل دورها الرقابى على المحافظين والمسئولين بجميع المحافظات . وفى تصورى الخاص أن البداية الحقيقية للإصلاح يجب أن تكون بفتح ملف ال 54 ألف قانون وقرار إداري المتعلقين بالمحليات في مصر حيث أنه من المستحيل احداث أي تقدم في ظل تلك القوانين والقرارات المتضاربة . فى هذا السياق أتوقف أمام عدد من النقاط والجوانب المهمة للغاية التى رصدتها دراسة صدرت مؤخراً للدكتورة إيمان مرعى الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بعنوان " إشكاليات نظام الحكم المحلي في مصر واتجاهات التطوير " . الدراسة أكدت أنه على الرغم من أهمية الدور المفترض أن تلعبه المحليات إلا أن المتتبع لهذا الدور يرى أنها فقدت قدرتها على إدارة المرافق والخدمات حيث وصلت إلى مستوى من التدهور والفساد أفقدها التأييد الشعبي تجاه سياسات الحكومة في معالجة قضايا المواطنين. وكشفت عن تجدد الأمل في أن يكون للمجالس المحلية دور حقيقي في مراقبة الأداء، وضمان وصول الخدمات للمواطنين. خاصة أن غياب هذه المجالس على كافة مستوياتها -منذ صدور حكم قضائي بحلها عام 2011- كان له أثر سلبي على أداء كافة الأجهزة التنفيذية بالمحافظات، وعلى تنفيذ المشروعات الخدمية للمواطنين. وكشفت الدراسة أن هناك العديد من المشاكل والتحديات التى تواجه نظام الحكم المحلي في مصر وتحول دون فعالية الدور المحوري الذي يقوم به؛ وهى تختلف باختلاف الفاعلين المؤثرين؛ فهناك مشكلات مسئولة عنها الدولة، وأخرى تقع تحت مسئولية المحليات نفسها، وتحديات مسئول عنها الفاعلين غير الرسميين مثل: الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، وكذلك الإعلام. وفى مقدمة تلك الإشكاليات الإطار الدستوري والقانوني الخاص بالمحليات , حيث انه بنظرة سريعة على وضع الإدارة المحلية في الدساتير المصرية والقوانين السابقة يتضح أنها تعاملت بطرق مختلفة مع نظام الإدارة المحلية إما بإفراد فصل خاص بها أو في تقليصها لعدد من المواد. وآخر الدساتير التي تحدثت عن الإدارة المحلية كان دستور عام 1971وفي ظله صدر العديد من القوانين المنظمة للإدارة المحلية، آخرها هو القانون المعمول به حاليا قانون 43لسنة 1979 وما تلاه من تعديلات. وعلى الرغم من انفراد مشروع دستور 2014بتناول الإدارة المحلية في فصل مستقل إلا أن ذلك لم يمنع من وجود مشكلات أهمها: تأكيد مشروع الدستور الجديد على استمرارية استخدام مصطلح الإدارة المحلية، بدلا من مصطلح الحكم المحلي، ومن ثم لا يجوز للمجلس المحلي في ظل الإدارة المحلية مساءلة القيادات التنفيذية بغياب حق استجوابها وسحب الثقة منها. أيضا لم يفصل الدستور بين السلطة التشريعية وبين المجالس الشعبية المحلية، حيث وضع بعض الأحكام التي من خلالها يكون لأعضاء السلطة التشريعية حق التدخل في نطاق عمل تلك المجالس ومناقشة الموضوعات التي تهم دوائرهم الانتخابية، هذا إلى جانب تدخل الحكومة المركزية في سلطة واختصاصات المجالس المحلية الشعبية والمحافظين. و أكدت الدراسة أنه مع تزايد الاتجاه المطالب بتطوير منظومة قوانين الشأن المحلي، بدت هناك حاجة إلى إضافة نصوص صريحة وآليات تهدف إلى زيادة حيز اللامركزية في إدارة الخدمات الجماهيرية وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع القرار المحلي والرقابة ومساءلة القائمين على تقديم الخدمات حتى تتمكن هذه المجالس من أداء وظيفتها على الوجه الأمثل.