دأبت وسائل الإعلام بمختلف أدواتها من سينما ومسرح وغيرها؛ على إظهار الإسلاميين فى أقبح صورةٍ يمكن أن يتخيلها عقلٌ ذبابى خبيثٌ.. ولم يتوقف هذا القبح عند حدود المظهر السمج، والأفعال الهمجية، ولكنهم – فى محاولةٍ دنيئةٍ – حاولوا الربط بين هذا القبح، وبين النطق باللغة العربية الفصحى، وطعَّموا ذلك النطق ببعض الكلمات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأعلامٍ إسلاميةٍ وأسماءٍ للصحابة مثلما فعل ذلك (الثقيل)، الذى يظنُّ نفسه أظرف خلق الله حين راح (يتمهيص)، وهو يقول: يا ابن أبى بلتعة.. يا ابن شفلحة!!! إلى آخر هذا الهراء. وهم فى انتهاجهم هذه السياسة يحاولون ضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ، فينالون من الإسلاميين، وينالون فى الوقت نفسه من اللغة العربية الفصحى.. ويُقلِّلون من شأن من يلتزم الحديث بها؛ وإن كان من أكثر الناس ثقافة؛ لا لشىءٍ إلا لأنَّه يلتزم بها. ومن المواقف الطريفة المبكية فى آنٍ، والذى تحكيه المستشارة المحترمة (نهى الزينى) أنها كانت فى مؤتمر عام 2005، وكان متحدِّثًا فيه القيادى الإخوانى البارز الدكتور (جمال حشمت)، وقد تحدَّث فأبهر الجميع بعلمه وأدبه والقبول، الذى وضعه الله تعالى له فى الأرض، وبينما كانت المستشارة (نهى) تُوصل رئيس المؤتمر – وهو من العلماء المتخصصين فى مجال الأدوية، كما أنه رجل موسوعى الثقافة علمانى الاعتقاد يسارى التوجّه – لمحطة للمترو؛ أخذ يُحدثها عن إعجابه الشديد بل المفرط بالدكتور (جمال)، الذى كان يعرفه للمرة الأولى، وهنا أدركتْ المستشارة أنَّه ظنَّ أنَّ الدكتور (جمال) يسارى علمانيّ.. فقالت بطريقة مباغتة: على فكرة الدكتور (جمال) من الإخوان المسلمين! فصاح الرجل بفزع: NOOOO!!! فلما أكَّدت له المعلومة شعرت بمدى ورطته – وهو الذى ارتفع قبل لحظاتٍ بالرجل إلى عنان السماء، فقال وهو يحرِّك رأسه فى أسًى وإحباط شديدين على طريقة (مالقاش فى الورد عيب): "آه؛ لذلك كان خلال الجلسة يتحدث بالعربية الفصحى"!!! وقد رأينا الحملة الشعواء التى شنَّها الإعلام الفلولى والتمويلى على نائبٍ سلفى لأنه طالب بتأجيل تعليم اللغات الأجنبية للأطفال إلى ما بعد مرحلة معيَّنة من التعليم الأساسى حتى يُترك المجال لإتقان الطفل لغته الأمّ.. وهو ما تُوصى به عشرات – بل مئات – الأبحاث التربوية، التى أجراها الأكاديميون المختصون فى مجال التربية والتعليم. ومن عجيبِ الأمور وشنائعها أن أسمع بعض مُثقَّفات الطبقة العلمانية الراقية تتعجّب من أحد المتحدثين لأنَّه يلتزم النطق الصحيح لحروف الثاء والذال والظاء؛ بإخراج طرف لسانه فتقول متأففة (قرفانة!!): "يااااااااى؛ هو بيعمل ليه كده"!!! مع أنها هى نفسها لا تنطق ثلاث كلمات على بعض باللغة العربية، والأدهى أنَّها تنطق حرف (Th) الإنجليزى صحيحًا بإخراج لسانها فيه!! أحرامٌ على بلابله الدوحُ حلالٌ للمتعالمِين يا ست هانم؟!! الإسلاميون مطالبون بإعادة الهيبة للغة العربية الفصحى، وعليهم أن يقلبوا السحر على الساحر، فيجعلوا الآخرين يلهثون خلفهم محاولين التمسُّك بالفصحى وإلا ظهروا فى صورة ضَحْلِى الثقافة، ولا شكَّ أنَّ الأدباء والمثقفين ذوى التوجُّه الإسلامى يقع على كاهلهم عبءٌ جسيمٌ، وهو إصلاح ما أفسدته حظيرة ثقافة العهد البائد من تكريسٍ لإصدارات الحداثة وما بعد الحداثة التى يصبُّ جُلُّها فى خانة إهدار اللغة العربية و(تكهينها). وعلى النقَّاد الجادِّين أن يُركِّزوا فى جانبٍ كبير من نقدهم على فَضحِ ضحالة الثقافة اللغوية لهؤلاء الأدباء المصنوعين بِلَيلٍ، المُروَّجِ لهم على أنَّهم فلتات زمانهم ومُعجزات عصرهم، وإنَّ أحدهم ليكتبُ روايةً ثمَّ يعهد بها إلى مُدقِّقٍ لغوِّى لتخرج فى ثوبها النهائى مليئة بعشرات الأخطاء اللغوية والنحوية!!! وإن عُوتِبَ فى ذلك قال: أنا لستُ مدرِّس نحو.. أنا أديب!!!وإنى لأتساءل: لو بُعثَ (ابن قتيبة) اليوم فاكتشفَ أنَّ الأديبَ الحداثى، وما بعد الحداثى لا يشترطُ فى حقِّه أن يكون مُلمًّا باللغة الفصحى وقواعدها، فهل سيُكلِّفُ نفسه بتأليف (أدب الكاتب)؟