وهل الصندوق الأسود يحتوى على أسرار حقيقية أم مجرد أكاذيب..؟! هكذا أخذت أحدّث نفسى وأنا أبحث عن عنوان مناسب لأفكار تدور فى رأسى قبل أن تتبلور فى موضوع مكتمل.. تساءلت: هل يمكن لحصان أعرج أن يفوز فى حلبةٍ لسباقٍ الخيول..؟ ثم وَرَدَتْ على خاطرى قصة قديمة عن ضفدعة تحدّت الفراشات فى سباق للمسافات الطويلة.. ووجدت نفسى أنزلق إلى صلب الموضوع عندما ورد على ذهنى السؤال التالى: إذا كان المرشّح حصانا أعرج وجاءوا له بساق خشبية فهل يفوز فى السباق..؟ وإذا كان ضفدعة وجاءوا لها بأجنحة صناعية من ورق فهل ينجح فى سباق الرئاسة..؟ وهنا تنبهت إلى أنهم جاءوا له بالفعل بأوراق ترشيح مزوّرة لعلها تنفعه فى السباق.. أليست هذه هى خلاصة المسرحية العبثية التى تجرى مشاهدها الآن على خشبة المسرح السياسى..؟! ونرى فصولها تترى أمام أعيننا فى أحداث يومية، تساندها جوقات إسناد وإنشاد فى كواليس اللجنة العليا وفى المجلس الأعلى والسلطة الأعلى، وفى الصحافة والإعلام- تؤكد كلها أن الضفدعة ذات الأجنحة الورقية المزورة يمكن أن تسبق الفراشات.. وأن الحصان الأعرج والحمار الأجرب، وكل أصحاب العاهات الظاهرة والباطنة، يمكنهم جميعا أن ينافسوا الفراشات الطائرة ويفوزوا فى السباق.. تقول أنت معترضًا: لا يمكن أن يكون فى هذا ذرة من منطق..! وأقول لك بإخلاص: لا تتحدث ياصديقى عن المنطق ولا عن العقل، مع أناس لم يتورّعوا فى الماضى القريب أن يجهّزوا - فى هذا القرن الواحد والعشرين- حملة عسكرية من الجِمال والخيول والبغال والحمير، لمهاجمة ملايين الثوار فى ميدان التحرير.. لإثارة الذعر بينهم، وتفريق الجماهير، أملًا فى القضاء على الثورة.. ولكن واقع الحال أثبت أن الثورة استمرّت وانتصرت، وانهزمت غزوة الحمير من أعداء الثورة.. فهل عقلوا هذا الدرس..؟! أبدا...! ودليل ذلك أنهم لا يزالون يكررون نفس التجربة الفاشلة، عند كل نقطة تحوّلٍ حاسمة، أو نقلة جديدة، يستشعرون فيها قرب تحرير الشعب لنفسه من قبضة العصابة التى عيّنها المخلوع، لكى تقوم نيابة عنه بالتنكيل بالشعب والانتقام منه.. أما عودة نائب الرئيس المخلوع إلى الساحة بعد أن أسقطته جماهير الثورة فليست أكثر من خدعة كبيرة من خدع سحرة فرعون، الذين ألْقَوْاُ فى الساحة ثعبانا أقرع لعلهم يخيفون به الجماهير المذهولة..! فهل تفلح الخدعة الكبيرة أم تتحول إلى مجرد فقاعة مهما انتفخت فمآلها الانفجار، حيث لا يبقى منها سوى هواء وفراغ..؟! أعتقد أن سحرة المخلوع المأفون على درجة كبيرة من الغباء والعَمَى، لا يمكن بها مقارنتهم بسحرة فرعون، ونحن نعلم ماذا صنع سحرة فرعون أمام معجزة النبى موسى عليه السلام.. وأنّهم أيضا أكثر غرورا بأنفسهم واستهتارا بالشعب وأقل أمانة من حواة الزمن القديم الذين كنا نسميهم فى طفولتنا سحرة.. ففى أربعينيات القرن الماضى كان يزور"الحاوى" مدرستنا الابتدائية من وقت لآخر، فنتلهّف على مشاهدته، وهو يخرج لنا من قبعته الأرانب والحمائم، وقد بَهَرَنا مرة بإخراج بطة كبيرة، ووضع فى مرة أخرى بيضًا سليمًا فى قبعته ثم أخرجه لنا طبَقًا من البيض المقلى، يتصاعد منه البخار، أبهرنا فصفّقنا له إعجابا بأعماله السحرية.. ولكن كان الساحر فى ذلك الزمن جزءًا من العملية التعليمية، وليس جزءا من عملية نصب على الأطفال.. لأنه كان فى نهاية الحلقة يشرح لنا أن الأمر ليس فيه سحر ولا معجزات.. وإنما هى خفة يد يمنعنا من رؤية حركتها انشغالنا بكلامه وإشاراته الذكية، التى يوجه بها أنظارنا بعيدا عن حركة يده، بينما هو يخرج الأرانب والحمام والبط، والبيض المقلى سلفًا، من آنيةٍ أمامه على المنضدة.. كان يعيد لنا تمثيل كل عملية سحرية ببطء ونحن نركز انتباهنا على حركة يديه هذه المرة.. فنرى كم كانت عملية بسيطة وممكنة.. ولما سألناه عن الدخان الذى انبعث من طبق البيض كيف جاء به..؟ قال: إنه مجرد مادة كيميائية تتفاعل مع السوائل وينتج عنها هذا البخار.. إلى هذا الحد كان السحرة والحواة فى الزمن القديم أشرف وأكثر أمانة من عصابة السحر فى هذا الزمن. لقد فاجاؤونا بإخراج عمر سليمان من قبعتهم، بينما باليد الأخرى وفى غفلة من أعين الرقباء كانوا يزوّرون لترشيحه آلاف التوكيلات بمهارة الحواة.. ثم يخرج ساحر آخر منهم لينكر حكم المحكمة الإدارية العليا فى قضية أبى إسماعيل.. ويزعم أن لديه أدلة بأن أمه أمريكية، ولأنه فيما يقال رئيس اللجنة العليا التى حصّنها العسكرى من النقض- فمن الواضح أن لعبة استبعاد أبى إسماعيل من الترشّح جارية على قدم وساق رغم حكم المحكمة، والناس فى انتظار الأدلة المخفية التى سيخرجها الحاوى العجيب من قبّعته.. ربما أوجّه سؤالا بسيطًا إلى حضرة المستشار: إذا كان حقا لديك فعلا أدلة فلماذا لم تقدمها للمحكمة لتستنير بها فى الحكم..؟! أم أنك تعمّدت إخفاءها فى قبّعتك أو فى كُمِّك المسحور لتفاجئ بها الجمهور المذهول عند اللزوم..؟! كما أشرت من قبل: كان سحرة الزمن القديم أشرف وأكثر أمانة وأكثر ذكاء من سحرة هذا الزمن؛ بوجوههم الكالحة وأكاذيبهم المكشوفة...! وأعود لسؤال طرحته فى المقدّمة: هل الصندوق الأسود يحتوى على أسرار حقيقية أم مجرد أكاذيب..؟! وللإجابة على هذا السؤال دعنا نستعرض تصريحات عمر سليمان لأهرام الجمعة 13 إبريل.. فقد هاجم جماعة الإخوان المسلمين، واتهمها بممارسة العمل المسلح.. وأنهم هم الذين أحرقوا أقسام الشرطة ومرافق الدولة الحيوية.. ثم أضاف قائلا: "هؤلاء مدربون ومسلحون على أعلى مستوى.." ثم يطلق تهديداته التى تعبر عن مكنون صدره: "سأنزع العمامة عن رأس مصر... وأن الإخوان خطفوا الثورة ويريدون السلطة كلها... وأن حكم الإخوان يعنى أن تتحول مصر لأفغانستان.. وستهرب منا دول العالم كأننا مصابون بفيروس قاتل.."ولذلك فمن مهمته المقدسة التى جاء من أجلها أن يضع الإخوان المسلمين تحت السيطرة بصفة دائمة. هذا هو برنامج المرشح العجيب لحكم مصر.. فهو يريد أن يعيد البلاد إلى سابق وضعها فى عهد قرينه مبارك.. الذى أثنى عليه ثناء ملحوظًا فى تصريحاته للأهرام، وكأن مصر لم تحدث فيها ثورة ولم تُسقط مبارك ولم تُسقط نظامه.. إن سليمان بهذه التصريحات يؤكد كل الاتهامات التى وُجّهت إليه من قبل؛ فكما ورد فى شهادة أحد كبار محللى المخابرات المركزية السابقين قال أمام الكونجرس الأمريكى: "إن مبارك وسليمان شخص واحد وليسا شخصين، ذلك أن لديهما نفس القناعات ونفس طريقة التفكير والمواقف.." [email protected]