مشكلة الكتاب الخدم في الصحف الحكومية أنهم لايحسنون الكذب ؛ فهم في غمرة دفاعهم عن سادتهم المالكين للأرض ومن عليها ، لايفرقون بين الكذب الذي قد يقبله السذج وبين الكذب الذي لايقبله أحد على الإطلاق! ويستغل الكتاب الخدم المساحات الهائلة في الصحف التي أقطعتهم إياها السلطة الظالمة ؛ فيكتبون مقالات طائلة تشبه الألحفة التي يتغطى بها النائمون فيكتب أحدهم مقالة لحافا يسودها بكلام سقيم ولا ينسى أن يعبر عن نرجسية مقيتة بنشر اسمه بالبنط الكبير جدا مع صورة ضخمة ، وتأخذ المقالة شكلا متميزا عن بقية مقالات الصحيفة حتى لو كان بعض كتابها أرفع منه مستوى ، وأفضل منه مكانة .. إنها النرجسية المقيتة التي تستمر حتى يأتي عليه الدور فتخلعه السلطة من منصبه أومناصبه ويتحول إلى مجرد كاتب ، ويقوم خليفته الجديد بتقليم أظفار نرجسيته وتورمه الذاتي فيضيق المساحة الممنوحة له ، ويصغر حجم البنط الذي تكتب به مقالاته ، ثم يرحل المقالات من مكانها الاستراتيجي في الصحيفة إلى الصفحات الداخلية ، وشيئا فشيئا يتحول السيد القديم إلي عبد جديدلاحقوق له أمام الخادم الجديد.. كتب أحدهم عن الانتخابات فبدأ الحديث عن إبعاد القضاة عن الإشراف عليها وطالب ببقائهم ، ثم انتقل إلى الحديث عن القلة منهم التي أدلت برأيها في السياسة (؟) وقالت إن هناك تزويرا في بعض اللجان، وطالبهم بالالتزام بالقانون الذي ينظم عمل القضاة وفجأة نراه ينتقل إلى التحريض على الإخوان المسلمين لأنهم يستعدون قبل الهنا بسنة من أجل انتخابات المحليات .. ثم ينتقل إلى ما يسميه بالمؤسسات الدينية التي أصابها الخلل ، واكتفت بالفرجة على من يطوعون كتاب الله وسنة رسوله لأهدافهم وأطماعهم الدنيوية من أجل الوصول إلى الحكم ، ثم يتحدث عما ينعته بفكر الردة الذي وجد من المساجد ودور العبادة ساحة خصبة ينتشر فيها .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ينعت الشعب المصري بغياب الوعي السياسي ويشير إلى القصور الذي تعانيه كل الأحزاب بلا استثناء.. ثم يتطوح كاتب السلطة في حلقة الدروشة الحكومية البوليسية ليؤكد أن المساجد كانت تمثل المراكز والدوائر الانتخابية في تنظيم جماعة الإخوان الذين يعمل عدد كبير منهم في المؤسسات الدينية الشرعية وهو مايتيح لهم الفرصة للتغلغل داخل المجتمع في غياب كامل للسلطة الدولة ... هكذا يبدو كاتب السلطة الهمام في تخاريفه وتخليطا ته التي تضم أشتاتا غير متناسقة في مقاله اللحاف ليقنعنا أنه صار من الكتاب الكبار الذين أصبحوا يملكون رأيا مبتكرا ، وفكرا ناضجا ، بينما هو في حقيقة الأمر مجرد ببغاء يردد مايقوله سادته الذين يملكون البلاد والعباد بالقوة والجبروت دون أدنى إحساس بمشكلات الشعب المظلوم .. وما بالك برجل يسعى إلى التشهير بالإخوان المسلمين ، فيرى أن إعلان القضاة عن تزوير الانتخابات اشتغال بالسياسة ، ويتناسى أن من صميم عمل القضاة إعلان الحكم المنصف الذي يصدع بالحق ويرضي الضمير ولو كره الطغاة والمستبدون ولصوص الأوطان؟! لسنا هنا في مجال الدفاع عن الإخوان المسلمين ولا غيرهم ، ولكننا نطالب كتاب السلطة أن يحترموا عقول الناس ، وفي مقدمتهم القراء وأصحاب الفكر ، وهذه بدهية من بدهيات المنطق والفكر، ما هو الخطأ الجسيم أن يستعد الإخوان لانتخابات المحليات من الآن ؟ ألا يستعد حزب السلطة وبقية الأحزاب لهذه الانتخابات أيضا؟ بالطبع لايعلم كاتب السلطة أن الإسلام لايعرف شيئا اسمه المؤسسات الدينية كما في الفكر الكنسي .. المؤسسات الموجودة في الإسلام مؤسسات علمية تقوم على شئون الدين وعلومه وأدبياته لاسلطان لها على أحد ، فلا تملك أن تحكم على أحد بدخول الجنة ولاتملك أن تدخل أحدا إلى النار ، إن أعضاء هذه المؤسسات بشر أو علماء لاحصانة لهم ، وهم يصيبون ويخطئون ، ولا نعلم ماذا يقصد كاتب السلطة بالخلل الذي أصاب هذه المؤسسات .. هل يقصد مثلا تطويع هذه المؤسسات لإرادة السلطة ومنطقها فجعل الناس ينصرفون عن آرائها وفتاويها؟ أم يقصد غل يدها وفكرها عن التفكير الحر وامتلاك زمام المبادرة في قيادة الأمة كما كانت على امتداد التاريخ الإسلامي ؟ إن الكاتب السلطوي – كما هو واضح- لايقصد هذا ولاذاك ، ولكنه يقصد كما يبدو من خلال لحافه العريض أن المؤسسات الدينية المزعومة لم تقم بالواجب كما ينبغي في حملة التشهير التي تقودها السلطة البوليسية ، ولم تصدر فتاوى بتكفير الإخوان وحث الناس على عم انتخابهم في مجلس الشعب الذي تهيمن عليه السلطة وتقوده لتنفيذ أغراضها ومآربها في الاستبداد والتوريث وغيرهما.. ثم هل من الممكن أن يكون الإخوان موظفون في المؤسسات الدينية ومعظمهم من الأطباء والمهندسين والمعلمين والتجار والطلاب والنساء ،وهل تسمح الدولة لهم بالوجود في هذه الأماكن ؟ إن الدولة لاتسمح للمتدينين عامة ، وليس الإخوان وحدهم ، بدخول الوظائف المهمة ولا النقابات الحساسة ، ولا النوادي الرياضية .. ويبدو أن كاتب السلطة لايدري عن ذلك شيئا ! وأظن أننا إذا عرفنا ذلك فمن المستحيل أن يقترب الإخوان من المساجد والمنابر ليعلنوا عن أنفسهم ،لأن خطيب الجمعة لايصعد إلى منبره إلا بناء على تصريح من جهاز الأمن ، ووزير الأوقاف متخصص في إبلاغ هذه الأجهزة عمن يشتبه في تعاطفهم مع الإخوان أو ينتقدون الدولة البوليسية !! متى يعقل كاتب السلطة هذا وكتاب السلطة عموما أن المنطق والبرهان خير وسيلة للوصول على عقل القارئ ووجدانه؟ كفى " هرتلة " وهرطقة ، وتخليطا ، وتخريفا ، يرحمكم الله.