«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في فقه الاحتجاج السلمي .. فهمي هويدي
نشر في المصريون يوم 19 - 07 - 2005

لان رصيدنا من ثقافة العنف وخبراته صار وفيراً والحمد لله، الذي لا يحمد على مكروه سواه، فقد آن لنا أن نعترف بفقر ثقافتنا في أساليب النضال السلمي، الذي صرنا في مصر نتلمس مظانه ونطرق أبوابه، حتى التحقنا مؤخراً بمرحلة “الحضانة” فيه. وإذ سبقنا آخرون في ذلك المضمار، فقد بات مفيداً أن نتعلم منهم بعضاً من دروس تلك الخبرة. (1) أرجو ألا يخطئ أحد في فهم ما أعنيه. فحديثي ينصب على إدارة الخلاف داخل الوطن، وفي مواجهة سلطة وطنية، أياً كانت المآخذ عليها، لا سلطة أجنبية محتلة، يتعين التعامل معها من خلال خيارات أوسع، يظل النضال السلمي أحدها. لكن ينبغي ألا يكون الخيار الوحيد. ولعلك لاحظت إنني أتحدث عن فقر ثقافتنا في أساليب النضال السلمي، وليس في مبادئ وقيم التغيير. ذلك إنني ازعم بأن لدى مرجعيتنا الثقافية الإسلامية منظومة واضحة في هذا الصدد. تنطلق من تحريم الظلم، وتعتبر أن الخطاب القرآني رسالة تحذير للظالمين، بل وتعتبر مقاومة الظلم حقاً مشروعاً من حقوق الإنسان. في الوقت ذاته، فإنها تثبت مسؤولية الإنسان عن إصلاح الكون وعمارته، باعتباره مخلوق الله المختار وخليفته في الأرض. وإذ تدعوه إلى إفشاء السلام وتنهاه عن البدء بالعدوان، فإنها تدفعه بقوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. حتى اعتبر الإمام الغزالي أن هذا الواجب يشكل”القطب الأعظم للدين”. ولفقهاء المسلمين كلام كثير في ضبط هذه الفكرة، بحيث تغدو سبيلاً إلى الإصلاح وليس باباً لإشاعة الفوضى. وإذ تعلي المنظومة من شأن إسداء النصح والجهر بالحق في مواجهة أهل الجور، وتحذر الساكتين على الظلم من غضب الله وعقابه، فإنها لا تدع مجالاً للتفلت من أداء واجب إنكار المنكر، إذ على كل واحد أن ينهض به قدر استطاعته، باليد أو باللسان أو حتى بالقلب. وفي كل ذلك فان على المسلم أن يتحرى الحكمة والموعظة الحسنة في أدائه. والموعظة الحسنة كلام طيب ورشيد يقال، أما الحكمة فهي وضع الشيء في موضعه، ومن ثم فخياراتها أوسع نطاقاً، بحيث تحتمل قولاً أو فعلاً، أو أي شيء آخر يصلح العوج ويحقق مراد الإصلاح. هذا الذي استعرضته باختصار شديد فصلت فيه مراجع وكتبت بلا حصر، وأردت من ذلك الإجمال التنويه إلى أننا نملك تراثاً غنياً في باب التغيير لإحقاق الحق وإقامة العدل، لكننا لا نملك ثراء مناسباً في أساليبه، حتى صرنا كالجيش الذي يملك الذخيرة ولكنه يفتقد إلى خطة العمل الميداني. وتلك ليس منقصة في حقيقة الأمر، لأن المرجعية يفترض أن تعنى بالأسس والمبادئ وليس بالأساليب. فالأولى ملهمة وثابتة، في حين أن الثانية تكتيكية ومتغيرة بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال. (2) حين تابعت الكيفية التي عبّر بها الناشطون المصريون عن احتجاجهم وتضامنهم مع ضحايا الاشتباكات التي شهدتها شوارع القاهرة في أواخر شهر مايو الماضي، لفت انتباهي محاولات الابتكار في الأساليب التي ابتدعوها. وشجعني ذلك على استخراج مقالة لم استطع نشرها قبل ثماني سنوات (ضمنتها كتابي الذي صدر بعنوان “مقالات محظورة”). كان موضوعها خبرات ودروس النضال السلمي في دول أوروبا الشرقية. ولم اكن صاحب الكلام ولكني كنت ناقلاً له، لأن المادة الأساسية فيها كانت تقريراً نشرته صحيفة “الاندبندنت” البريطانية (في 16/1/1997) لمجموعة من الباحثين الإنجليز، قاموا بدراسة تحركات الجماهير التي خرجت رافضة ومحتجة على الأوضاع القائمة في أوروبا الشرقية، من برلين إلى بلجراد (كان ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينات). وخلص أولئك الباحثون إلى أن تحركات الجماهير لم تكن عفوية كما قد يخطر على البال لأول وهلة. ولكن الذين نظموها عرفوا كيف يجمعون الناس ويحشدون التأييد. ولتحقيق أهدافهم، فانهم اتبعوا أساليب عدة، رصدها الباحثون، واستخلصوا منها عشر نصائح، سأعرضها حالاً، بعد أن الفت الانتباه إلى أهمية إدراك اختلاف الظروف الموضوعية في مصر عنها في تلك الدول الأخرى - النصائح التي وجهت إلى الناشطين جاءت على النحو التالي: تحري البساطة: فلا تخدع نفسك بفكرة أن الناس مستعدون للتمرد والثورة ومن ثم للتضحية والاشتباك مع أجهزة الشرطة والأمن، فقط من أجل الديمقراطية. فالديمقراطية مفهوم مجرد وعائم، ابعد من أن يستوعب معناه في مجتمعات لا تزال خبرتها ضعيفة في هذا المجال. وثق أن أمثال تلك العناوين الكبيرة مهما بلغت أهميتها ستظل عاجزة عن دفع الجماهير إلى الشوارع أو تشجيعها على التضحية وتحدي أدوات القمع المختلفة. لكي تنجح، عليك أن تستدر مشاعر سخط اكثر واقعية، وان تقدم وعوداً أساسية لتحسين الأوضاع. فالصرب عموماً لم يقلقهم كثيراً نظام ميلوسوفيتش المستبد والفاسد. لكن الأرجح أن الأزمة الاقتصادية أمسكت بخناقهم، حتى أحاطت بهم خيبة الأمل من كل صوب، ولم تفلح وعود الرئيس الصربي في تبديد تلك الخيبة. وعندما كان الصرب يدقون على الأواني والقدور للتشويش على أخبار التلفزيون الحكومي كل مساء، فانهم كانوا في الحقيقة يرددون صرخة “بيتر فيتش”: لقد أصابني الجنون، فلم اعد قادراً على تحمل المزيد من هذا الهراء. كن مبتهجاً وطويل البال: فقد عمدت الأبواق الرسمية في أوروبا الشرقية إلى اتهام قادة المقاومة الشعبية بكل التهم التي تخطر على البال، من الجنون والانحراف إلى الخيانة والعمالة لمصلحة جهات أجنبية، وهذا موقف طبيعي من جانب منابر الاستبداد وأدواته. إذ ستصمكم بكل التهم، فاحرصوا على ألا تمنحوا النظام أي مسوغ لهذه الاتهامات، حتى يبدو هو لا انتم الخادع المضلل. لا تشجعوا العنف ولا الهتافات المضادة للديمقراطية عندما تنفجر قنبلة قرب مبنى مؤسسة أو منظمة موالية لحركة الاحتجاج، كما حدث في بلجراد، فسوف يكون واضحاً أن ذلك مجرد استفزاز من قبل النظام. وإذا ما تحول النظام إلى العنف، فهذا يقوي موقفكم. لقد قال أحد المواطنين التشيك: في عام 1985 “ذهبت لكي التحق بالتظاهرات، وحين طرحت على الأرض شعرت بالحرية”. اجعلها تسلية: جميع الحركات الناجحة كانت رائعة في استخدام أفكار مسلية لتشجيع الناس على الابتسام، والاستمرار على تلك الحال حتى عندما تتأزم الأمور. في براج، ابتدع المتظاهرون فكرة دق أجراس صغيرة والتلويح بسلاسل المفاتيح. وفي رومانيا، كان المتظاهرون يحدثون ثقوباً في الأعلام. وفي صربياً فعلوا أشياء كثيرة من إعاقة المرور، إلى اصطحاب الحيوانات الأليفة (الكلاب والقطط) في التظاهرات التي منعت على الناس وكان من الصعب منعها على الحيوانات، إلى دق الأواني والقدور أثناء إذاعة نشرات الأخبار الحكومية. تخير من مؤيديك افضل المصممين، واكثر الممثلين شعبية واكثر الكتاب سخرية. ولا يفوتك أن تستخدم الشارات والملابس التي تحمل رموزاً أو توحي برسائل معينة. فمثل هذه الأمور لها دوي شعبي هائل. في بولندا كانوا يبيعون “تي شيرت” مكتوباً عليه: أنا أعارض الاشتراكية وامقتها! - ومن المهم جداً ملاحظة أن كل انتفاضة ناجحة كان لديها نصف دستة من الشارات المبهرة، التي استخدمت لتأجيج مشاعر الناس بعدما استقرت في ذاكرتهم. (3) هوّن الأمور على نفسك: ذلك انه من المهم جداً أن تحافظ على طاقتك. فقد كان الطلاب الصرب أذكياء حين لم يستهلكوا أنفسهم جميعاً في السهر طوال الليل، وإنما قسموا أنفسهم بطريقة منظمة. فالقضاة والقادة السياسيون لا يصيبهم الإجهاد عادة (الإيطالي جيوليو اندريوتي قال مرة: إن السلطة ترهق فقط من لا يملكها) وهم دائماً يقظون صابرون. وقد نقل عن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران قوله ذات مرة: إننا مثل القطط، ننام بعين مفتوحة!.. ولا تنس أن الوهن يردي، ولذلك لا تطالب الناس بأن يجهدوا أنفسهم بأكثر مما ينبغي. وقد كانت افضل المظاهرات هي تلك التي حدثت في “ليبزج” بألمانيا الشرقية، حيث كان بوسع الإنسان أن يؤدي صلاة الأحد في الكنيسة، ثم يسير مع المظاهرات في الشوارع، وبعد ذلك ينصرف إلى بيته، كالذهاب إلى مراكز التدريبات البدنية ولكن اكثر تسلية. اهتم بالتلفزيون: حافظ على أن تبقى في دائرة الاهتمام الإعلامي. ففي جمهورية البلطيق “استونيا” كانت اعظم اللحظات إثارة في الثورة السلمية حواراً تلفزيونياً أجراه مخرج متعاطف. إن أخبار التلفزيون حيوية جداً خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يسكنون المناطق النائية. والإعلام الأجنبي اعظم أهمية. اجعل نفسك قريباً من الصحافيين الأجانب، وليكن لديك متحدثون يجيدون اللغات الأجنبية. والصحافيون الأجانب قد يميلون إلى الكسل، فحاول أن ترشدهم، بل قم بعملهم بنفسك ما أمكن ذلك. إن الشعارات المكتوبة بالإنجليزية لها تأثيرها في التلفزيون وفي الصور. فكر في الصور: فقد كان المتظاهرون في كوريا الجنوبية يعوقون الشرطة بأوراق الصحف المحترقة بدلاً من قنابل البترول، إنها تبدو رائعة وان لم تسبب أضرارا حقيقية. جمّع ولا تفرّق: أسس الحركة على نطاق واسع، وتجنب الانقسامات التي سوف يكون عليك أن تعالجها في المستقبل. وقد استوعب المتظاهرون الصرب هذه الحقيقة فأخذوا يستحثون رجال الأمن، بل أعضاء من الحزب الحاكم على تأييد حركتهم. فحاول أن تشجع أجزاء من المؤسسة الرسمية على التضامن معك. فكل الأنظمة المراوغة تعشق الزخارف التي تبعث على الاحترام من حولها، ولذلك فإنها تدلل المؤسسة، فإذا استطعت أن تحفز المؤسسة على أن تعلن عدم ولائها للسلطة فأنت في موقف جيد. وفي هذا المجال، جاءت إضرابات الممثلين والفرق الموسيقية، ورسائل الاحتجاج من اتحادات الكتاب وغيرها.. كل هذا جاء ليلعب دوراً كتحذيرات مبكرة. خذ الأمور بالتدرّج: كن حاسماً في التدرج. طالب مثلاً بالأشياء التي كان الطغاة قد وافقوا عليها من قبل معتقدين أن الالتزامات يمكن التنصل منها. ففي الاتحاد السوفييتي السابق كانت اتفاقية هلسنكي مثار كثير من السخرية، ولكن كثيراً ما كان المنشقون يستخدمونها ويصرّون على انهم ليسوا ضد سلطة الاتحاد السوفييتي الشيوعي (وتلك كذبة، فقد كانوا ضدها وكانت لهم مبرراتهم) ولكنهم إنما يحتجّون على مادة معينة مثيرة للسخرية في الدستور السوفييتي أو قانون هلسنكي الأخير. ومثل هذا حدث في صربيا، حيث لم يركز المحتجون أنظارهم على ميلوسوفيتش، بل ركزوا على رفض قبول نتائج سمح هو نفسه بإجرائها. أكد على احترامك للقانون، وقدّم الأعمال القانونية قبل اللجوء إلى أعمال نصف قانونية أو غير قانونية. وكل تنازل (من السلطة) مهما يكن صغيراً يساعدك على الفوز. والأمر يتوقف إلى أي مدى مجتمعك على استعداد للغليان، فاضغط للحصول على تنازلات جديدة بطلبك تغييراً صغيراً آخر. (4) فكر في المستقبل: جهز الأرض لما بعد الفوز. ذلك لأن التظاهرات إذا وصلت إلى نتائجها المرغوبة، فان حركة الاحتجاج يمكن أن تتحول سريعاً إلى حكومة جنينّية. وهنا تبدأ المشكلات الحقيقية كما تبين لكل من “فاسيلاف هافل” و”ليس فالسا” وغيرهما كثير خلال التسعينات. فمن دون التخطيط المناسب يمكن لحكومتك الجديدة أن تتقلص شعبيتها سريعاً. ومن ثم يعود الأشرار إلى السلطة مرة أخرى.. إن الأمر يحتاج إلى وقت حتى تشق الديمقراطية مجراها الصحيح، واليقظة واجبة. الأبطال: بطل الثورة هو “كليشيه” يحتاج إلى التفكير في أمره بعناية، ذلك أن البطل أو القائد الصوري يمكن أن يكون كسباً حقيقياً، خصوصاً إذا كان معروفاً عالمياً، مما يجعل الحركة اكثر ألفة لا مجرد مجموعة من الشخصيات المجهولة التي لا يعرف أحد أسماءها. فكّر في أشخاص مثل “أونج سان سوكاي” أو “ليس فالسا” أو “فاسيلاف هافل”؛ فالإعلام العالمي يعرف وجوههم وأسماءهم وتاريخ حياتهم. وفي إندونيسيا ظهرت “ميجاواتي سوكارنو بوتري”، كما ظهرت في الفلبين “كوري اكينو”، وهما ليستا من المفكرين الكبار ولكنهما ينتسبان إلى شخصيتين مشهورتين مما يوفر لهما قدراً من الاحترام والشرعية. لا تنزلق إلى التنازلات: احذر التنازلات، ولا تسمح لنفسك بالانخداع، فعندما تبدأ في التنازلات تبدأ في الضياع. إن الأشرار سوف يحاولون التماس أي مخرج من المأزق، فاحرص من ناحيتك على أن تثبت على مطالبك كاملة. وتذكر انهم يعتقدون أن الديمقراطيين سذّج أغرار. أما هم فقد استمرأوا الكذب الصفيق. فإذا جرت بينك وبينهم اتفاقات كن حريصاً على أن تكون مكتوبة، وافضل من هذا أن يقرأ الاتفاقية مسؤول كبير في الدولة بنفسه أمام شاشات التلفزيون. فالوعد ليس وعداً حقيقياً حتى يذاع في نشرة الأخبار الرئيسية.. في
مظاهرات عام ،1991 التي شهدتها بلجراد، سمح المتظاهرون لأنفسهم بالانخداع بوعد ميلوسوفيتش لهم أن يحقق كل مطالبهم، فلما انفضت الجماهير استعادت السلطة قبضتها على الموقف وضربت بوعودها عرض الحائط. (5) هذه الخبرات تستقبل بمشاعر إيجابية، لأنها أولاً من دلائل عافية المجتمعات وحيويتها. ولأنها ثانياً تقدم نموذجاً حضارياً للتعبير عن الرأي، ولأنها ثالثاً تشق نهجاً ينبذ العنف، ويعلن الاحتجاج في إطار من احترام القانون والدستور. ومن جانبنا فلنا أن نعدها إضافة مهمة تثري فقه إنكار المنكر، وتطرح في هذا الصدد أساليب مستحدثة فوق الإنكار باللسان وتحت الأفكار باليد. بسبب من ذلك فقد استغربت للغاية ذلك الهجوم الشرس على حركات الاحتجاج والتغيير، الذي شنته بعض المطبوعات “القومية” في مصر، اليومية والأسبوعية. ولعل ما نشرته مجلة “روز اليوسف” في الأسبوع الماضي (عدد 18/6) يعد نموذجاً لذلك الهجوم، ذلك أن المجلة التي دأبت على التنديد بتحركات الجماعات الوطنية المعارضة في الآونة الأخيرة، انتهزت فرصة دعوة بعض الناشطين إلى نقل مشهد الاحتجاج إلى ضريح السيدة زينب بالقاهرة، في إطار الطقس الشعبي الذي يطلق عليه “كنس السيدة”، ووصفت رمزيته بأنها من قبيل “الخرافة والشعوذة”. واستخدمت بعض الأصوات لتشويه صورة المحتجين والتحريض عليهم، فنقلت على لسان ضابط أمن سابق قوله إن ذلك الأسلوب “نوع من الإسفاف”، يجب ان تتصدى له أجهزة الأمن بعنف باعتباره جهداً يستهدف “اختراق الجبهة الداخلية وتفكيكها”. وفي الاستطلاع الذي نشرته حول الموضوع نقلت عن وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد تصريحاً آخر قال فيه إن ما فعله أولئك الناشطون “فعل مشين ينبغي أن تنبذه كل الفئات”. كما نقلت تصريحاً لأحد أعضاء مجلس الشورى قال فيه انه “من العيب والمخزي التعبير بهذه الطريقة”.. الخ. حين يطالع المرء مثل ذلك التشهير والتحريض. فان سؤالين كبيرين يلحان عليه هما: ما هي المصلحة الوطنية التي ترتجى من قمع تلك الأصوات، التي كانت كل “جريمتها” أنها عبرت عن احتجاجها بطريقة سلمية وقانونية؟ ثم، إذا ما نجحت محاولات القمع في بلوغ مرادها، ألا يكون ذلك مبرراً لاستحضار العنف بديلاً وخياراً لإيصال صوت الاحتجاج؟ --------- صحيفة الخليج الاماراتية في 19 -7 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.