تحدثت في مقالين سابقين عن "طرائف" النظم السياسية العربية ، و مثقفي السلطة ، الذين يرتبطون بالأولى بعلاقات مصالح .. فإذا أختفت السلطة القائمة ، اختفى سلطان هؤلاء المثقفين و أغلقت عليهم خزائن مال الحكومة السايب ، إنه حلف الفساد بين نظم فاسدة و مثقفين أكثر فسادا . في مصر يوجد صحفيون و مثقفون جاءوا إلى القاهرة من ريف مصر الفقير البائس ، لا يملكون حتى ثمن سانتدوتش الفول و الطعمية الأكثر بؤسا ، عملوا في بلاط صاحبة الجلالة ، و في خلال أعوام قليلة باتوا من أغنياء القاهرة ، و انضموا إلى الفئات الأكثر ثراء في مصر ، يملكون قصورا و فيلات و سيارات فارهة ، و حسابات في البنوك بكل أنواع أوراق البنكنوت ! هؤلاء لا يطيقون كلمة نقد واحدة للنظام السياسي الحالي ، ليس دفاعا عن "انجازاته" فهم يعلمون أنه بلا انجازات حقيقية و لا زودا عن "ديمقراطيته" فإنهم على يقين أنه نظام بينه و بين الديمقراطية عداء و خصومة لا ينفع معها إلا "عيون الخارج" الحمراء . دفاعهم عنه في واقع الحال ، دفاع عن وجودهم و مصالحهم ، و امتيازاتهم المالية و السياسية ، فالعلاقة بينهما علاقة زواج أبدي لا يقبل الطلاق أو الخُلع ! لقد رأيت على قناة العربية ، مثقفا "يساريا سابقا" و "أمريكانيا لاحقا" و هو يصرخ ليلفت نظر المذيع ، أنه يريد مداخلة و تعقيبا عاجلا و ملحا ، و كان على الطرف الآخر الصديق الزميل د. عبد الحليم قنديل ، يتحدث عن فساد وزارة الثقافة ، بعد محرقة بني سويف و التي راح ضحيتها العشرات من مثقفي و فناني مصر . المثقف اليساري خشى أن يفسر وزير الثقافة سكوته على ما يسرده قنديل ، بأنه "علامة رضى" ، و هو تفسير حال قناعة فاروق حسني به ، سيكون ثمنه بالتأكيد باهظا .. هو حرمان المناضل اليساري السابق من شيكات الوزير التي يلهفها المناضل ، أول كل شهر نظير وضع اسمه على إحدى مطبوعات وزارة الثقافة ! إذ قال بالحرف الواحد " أريد أن أعقب حتى لا يفهم أحد أن سكوتي يعني موافقتي على ما يقوله الاستاذ قنديل " ! و طفق يعدد مناقب الوزير ليجعل من "فسيخه شرباتا" و من فشله نجاحا لافتا إلى أن وزارته تعيش أزهى عصور الانجازات ! وعندما تواترت الأخبار عن قرب طرح المؤسسات الصحفية القومية للخصخصة ، انزعح صفوت الشريف ، و كذب هذه الأخبار ، و قال إن الفكرة غير مطروحة بالمرة ، خشية أن "يُساء استغلال" الصحف القومية في "تضليل" الشعب المصري ! بالتأكيد فإن الوزير لم يخش كما ادعى "تضليل الشعب" إذ إن قلبه ليس على الشعب و إنما على حاجات تانية .. فالصحف القومية تقوم بأكبر عملية تضليل و تغييب للشعب لصالح نظام لن تقوم له قائمة إلا بعمليتي التضليل و التغييب اللتين تقوم بهما هذه الصحف الملاكي . كان الوزير يقصد خشيته من "تنوير الشعب" إذا تحررت المؤسسات الصحفية القومية من مماليك و موالي و عسكر النظام . إذ لا زالت بالنسبة له مدارس لتدريب و تخريج الانكشارية الذين يلتحقون إلى كتائب المدافعين عنه نظير اطلاق يدهم في نهبها ، و التأكد من تجفيف مواردها المالية ب"إسفنجة" . تعيش مصر الآن حقا أزهى عصور مثل هذا الزواج بين طرفي الفساد ..و هو في واقع الحال "زواج متعة" كل ما يترتب عليه باطل و لقيط و غير شرعي ، ستلاحقه لعنات الناس و التاريخ و الجغرافيا إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها [email protected]