الكل يدَّعى حب ليلى، وليلى فى ليالينا الشتوية الطويلة مريضة، والكل يريد خِطبة ليلى، وليلى تعتقد أن كثيرًا من خاطبيها غير مخلصين، وأما الذى هو أعجب من أزمة اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، فهم قوم يقفون على حدود كل أزمة ؛ ليضيقوها ويضيقوا علينا حياتنا، ويعكروا صفو أيامنا، ومن أعجب ما رأيت فى تلك الأزمة، قيادى كبير السن بحزب يسارى، فالرجل غير المذكور خرج من الاجتماع مع المجلس العسكرى كالمحصور والمحسور؛ ليعلن رفضَه لموقف "العسكرى"، ويبالغ فى خصومته، مع أغلبية مجلس الشعب التى لا تزال بعضها يكابر ويرفض تصديق أن تحت القبة أزمة. وأكد لنا البلبل القومى العربى أن اجتماع المجلس العسكرى لم يأتِ بجديد، ولم يطرق على ساخن الحديد، وأن الإبقاء على هذه الجمعية التأسيسية للدستور بهذا التكوين أمر غير مقبول، و أن كل أحزاب المجتمعين الأحرار مستمرون فى مقاطعة اللجنة التأسيسية؛ لأنها غير شرعية. وأنهم سيجتمعون على صحيفة يعلقونها داخل كعبة الثوار، يوقعون فيها أنهم سوف يحاصرون الإخوان داخل المجلس، ويقاطعونهم. وأنهم لن يكونوا شركاء فى كتابة الدستور بهذا الشكل، فهو غير شرعى. وكان نظام مبارك أيضًا غير شرعى، لكن السيد المذكور المحصور المحسور المأجور كان يضفى عليه الشرعية دائمًا، فكان لا يكاد يمر يوم من هواء التلفزيون الرسمى حتى نرى المثقف اليسارى، فى جميع البرامج والخدمات الإخبارية، بل كان ضيفًا ثابتًا له ثقل ومكان على يسار الكاميرا، فى برنامج حالة حوار، إلى جوار أعضاء "أمانة السياسات"، ومُخبرى الصحافة، وضباط شرطة الثقافة، وكان مجرد ظهوره يمثل غطاءً شرعيًّا، وترجمة لما يردده الحزب الوطنى بأن فى العلبة فيلا، وبمصر معارضة منطلقة الأعنَّة، وأن الإسلاميين والإخوان - الجماعة المحظورة وقتها - لا يمثلون معارضة ، بل هم حالة من الإرهاب الفكرى والعنف والشر الواجب استئصال شأفته، وتجفيف منابعه، ومصادرة أمواله. ثم يأتى اليوم بعضُ مَن كان مشاركًا فى تزييف الوعى، وتحريض الأمن ليعطينا درسًا فى الشرعية وعدم الشرعية، مع أن الدنيا غرفتا أخبار وصالة تحرير. أما أظرف من هؤلاء فشرذمة قليلون، كانوا على مصر متآمرين فى مقابل حفنة جنيهات، يتلقَّوْنها علانية تحت مسمى دعم الأحزاب، حتى صارت الأحزاب "سبُّوبة" وتجارة فاقت تجارة أعضاء الشعب السابقين فى قرارات العلاج على نفقة الدولة، وأذكر أننى تعرفت على رئيس أحد تلك الأحزاب الكرتونية الفكاهية، وكان قوميًّا قُحًا- يعنى قوميًّا جدًّا جدًّا ، أبًا وجدًّا - وظهر الرجل فى مؤتمر، ليعلن أن الرئيس بحكمته، وأن الحكومة بقيادتها المدبرة، وأن الشرطة بقبضتها الحازمة تحت إدارة "العادلى" هم الأمل لمصر المستقبل، حتى تخيلت أنه أحمد عز فى ثوب رئيس حزب معارض، ثم مرت الأيام وتوالت الليالى- وخُذ بالك من الجمل التالية- وفى مساء يوم صائف افتقدتُ نجارًا يصنع لى مطبخًا، فذهبت أبحث عنه فى مِنطقة دار السلام، وانتظرته على مقهى أشبه بغُرزة، فوجدت معركة حامية الوطيس، وإذا برئيس الحزب "إياه" الذى يجالس مبارك وكل وزراء مصر، إذا به يتعارك بألفاظ نابية ؛ لأنه كسب (عشرة دومينو)، ورفض المهزوم أن يحاسب على الطلبات، وفى نفس الليلة، رأيت حريف الدومينو، يشتم فى الجماعة المحظورة، بنفس البرنامج السابق، فخلعت نظارتى ، ومسحتها بطرف قميصى، واقتربت من الشاشة، وصرخت : مَن أنباك أن أباك ذِيب ؟!، يا بائع الشرعية!!! محمد موافى [email protected].