بدأ "الدراويش" ومريدو الطرق الصوفية، التوافد على ساحة جامع الحسين، استعدادًا للاحتفال بذكرى مولد الإمام الحسين- رضى الله عنه- وينفرد المصريون بإحياء تلك الذكرى دون غيرهم، حيث نصب مريدو الطرق الصوفية خدماتهم لخدمة زوار الإمام الحسين، وتقديم وجبات الطعام، ونظرًا لارتفاع الأسعار اعتمدت معظم الخدمات فى تقديم "الفتة واللحمة والفول النابت والشاى والقرفة للزائرين". كما تم الإعلان عن حفل الليلة الختامية، والتى يحييها الشيخ ياسين التهامى ونجله الشيخ محمود التهامى، والشيخ أمين الدشناوي اليوم الاثنين، حيث تم تقديم موعد الحفل بدلاً من الثلاثاء أو الأربعاء، بناءً على قرار الأمن، وذلك لتوافق ذكرى المولد مع احتفالات مصر بالعيد السادس لثورة 25 يناير، وانشغال قوات الأمن بتأمينها. وتزينت جدران جامع الحسين بالأنوار استعدادًا للاحتفالات التى بدأت مبكراً هذا العام وسط ممرات ضيقة وباعة جائلين في رحاب مسجد الحسين، ومجيء الآلاف من شتى بقاع الأرض، في إقبال لم يحدث منذ 10 أعوام، لإحياء "الليلة الكبيرة" لمولد الحسين، أمس، مهللين ومكبرين في ليلة في حب الله وحب آل بيت رسوله الكريم، ونظرًا لأن الأحداث السياسية تفرض نفسها في كل مكان الآن، وتنتشر كالنار في الهشيم، فقد وجدت السياسة طريقها حتى إلى تلك الأجواء الروحانية. وظهر عدد كبير من مرتادي المولد ومنهم محمود السيد، الرجل الذي يبلغ من العمر 60 عامًا بلحيته البيضاء ووجهه المشع نورًا، في وسط الزحام والممرات الضيقة، الذى اتخذ طريقه ساعيًا للوصول إلى مسجد الحسين حيث جاء من صعيد مصر "قنا" لحضور المولد فهو بالنسبة له "عوائد وفوائد"، ويؤمن بأن الروح تبقى بعد موت الجسد، وأنها موجودة في كل مكان، قائلاً: "نحضر للموالد لا لنزور الجسد بل لنتفاعل مع الروح ومع مواقفها الدينية والإنسانية والاجتماعية وزيارة سيدنا الحسين واجبة، ويلتقي فيها الناس وأهل العلم والطرق ويتحدثون في الأمور الفقهية والتصوفية"، قالها العجوز ردًا على ادعاءات البعض بحرمة الاحتفال بموالد آل البيت، كما أكد " أن هناك فرقًا بين الصوفي والمتصوف، فالصوفي نادر الوجود الآن، نحن هنا متصوفون، نقابل أهل الله من أصحاب الطرق الصوفية حتى نتفاعل معهم في شتى المجالات الدينية ومجالات الترقي بالروح إلى الآفاق العليا.. نتقابل كأرواح لا كأجساد.. والروح دائمًا بتغلب على الجسد وتخرج ما فيه ونأتي الحسين لنتذكر الآخرة، ونلتقي أهل العلم من الطرق الصوفية الملتزمة بالشريعة والدين"، متابعًا، "انتقاء الأرواح ليست بدعة وإنما واجبة على كل مسلم، والدليل زيارة الكعبة المشرفة وقبر الرسول وما دام سيدنا الحسين من نسل رسول الله، وما دمنا نهوى زيارة قبر رسول الله، فلماذا لا نهوى زيارة قبر سيدنا الحسين، نحن لا نقصد سيدنا الحسين جسدًا بل نقصده روحًا". وفي الوقت الذي كانت تعلو فيه أصوات الذكر ودعاء آلاف المريدين والمهللين يتردد: "مدد يا رسول الله"، في "الليلة الكبيرة" لمولد الحسين، كان سيد وليد توفيق، الشاب العشريني، من منشية ناصر، ممسكًا بعصاه الطويلة، ويتدلى منها "بلالين" يتجوّل في المولد وبين الزحام، يبحث عن رزقه، فالشاب الحاصل على "دبلوم صنايع" يعمل بائعًا ل"البلالين" وينتظر هذا اليوم من كل عام. ويقول: "أعمل بمستشفى البنك الأهلي، وبحثًا عن مصدر رزق إضافي أخرج كل يوم أسرح أبيع بلالين، لكن يظل مولد الحسين ده موسم بنستناه من السنة للسنة والناس بتتجمع فيه وبيبقى يوم ترفيه"، ونظرًا لقرب مولد الحسين من مسكنه بالمنشية فهو لا يتردد على أي من الموالد سوى مولد الحسين، متابعًا "مش بلف موالد تانية عشان مولد الحسين أقرب مولد ليا بجوار مسجد الحسين". وبالقرب من الباب الرئيسي للمسجد، اتخذ آلاف المريدين من الرصيف الملاصق له مكانًا للمعيشة، حيث يفترشون أغطيتهم ويبيتون فيه، ومن شتى المحافظات جاءوا لإحياء "فرح ابن بنت النبي" بحسب قول "عم جمال" العجوز الذي يبلغ من العمر 80 عامًا قالها وهو جالس تحت فراشه خوفًا من البرد، وقد جاء من أسيوط بمفرده لزيارة الحسين قائلاً: "جاي النهاردة عشان خاطر سيدنا الحسين ولقضاء بضعة أيام بنام فيها جنب مولانا الحسين.. حتة آمنة وناسها حلوة ومليحة وجميلة.. ومولد سيدنا الحسين مش بدعة.. ده جده النبي عليه الصلاة والسلام". فيما قامت المشيخة العامة للطرق الصوفية، بتعليق لافتة كبيرة مكتوب عليها: "المشيخة العامة للطرق الصوفية يرحبون بزوار مولانا الحسين". وعلى بُعد أمتار وبالقرب من المنصة الرئيسية ل"الليلة الكبيرة"، افترش الحاج إبراهيم حماد الرصيف، وهو ابن محافظة بني سويف، خمسين عامًا، وقال: "جايين نحضر الفرح بتاع مولانا سيدنا الحسين.. مدد يا مولانا بحضر كل موالد آل البيت.. السيدة زينب وسيدنا علي زين العابدين والإمام الشافعي والسيدة عائشة والسيدة نفيسة والسيدة رقية والسيدة فاطمة النبوية، وكل الأولياء اللي في مصر بفوت عليهم.. مدد يا رب.. وسيدنا النبي حاضر هنا الليلة دي.. وأنا جاي أحضر فرح ابن بنته وبقولها من قلبي". والأعداد تتزايد والآلاف يتوافدون، وخدام آل البيت في انتظار خدمتهم منهم عم "خضر" 40عامًا جاء من أسيوط، لخدمة مريدي الحسين، فهو من الطرق الصوفية قائلاً: "جاي من أسيوط خدام الإمام الحسين". يقوم خضر ومجموعته من خدام آل البيت بتقديم الطعام والشراب والأغطية لمريدي الحسين، متابعًا "بنعمل كل ما تشتهي الأنفس من أكل وشرب وكل حاجة.. خدامين آل البيت كلهم بيعملوا الأكل لله مبناخدش فلوس من حد.. وأنا هنا من يوم الخميس لحد النهارده في المولد.. كل الموالد بنلف عليها أنا تبع خدام آل البيت تابع لطريقة سعد الدين القناوي". في ممر ضيق بالقرب من مسجد الحسين، وتحديدًا بمقهى "الفيشاوي" السياحي، جلس محمود الهندي، منشد في مولد سيدنا الحسين، وهو فنان شعبي، اشتهر بإتقانه الغناء باللغة الهندية، فهو ينشد ويبتهل بها، فأطلقوا عليه "محمود هندي"،ويقول: "جاي في رحاب مولانا سيدنا الحسين بإذن الله الواحد القهار من محاسيب أهل مولانا سيدنا الحسين وكلنا بنحتفل بالمولد". ازدحم مقهى "الفيشاوى" وجميع المقاهي المحيطة بالحسين، بعائلات وأسر جاءت تحتفل بالمولد، يتخذون قسطًا من الراحة، ويعودون للمديح والابتهال مرة أخرى، ويسيطر على ساحة المولد، المئات من الباعة الجائلين، خوفًا على بضائعهم من السرقة، أو دهسها من قِبل المريدين والوافدين، وكانت مسئولية تنظيم الحركة والممرات الداخلية تتم عن طريقهم، ووصل الأمر لتنظيم الحركة باستخدام العنف أحيانًا، فبجوار كل منهم عصاه، يستخدمها أحيانًا مع الصبية والشباب المتهور، فيما سيطرت قوات الأمن على حديقة الحسين بالميدان، ومنعت الدخو إليها، وعززت وجودها بعدد من سيارات الأمن المركزي وسيارة الإطفاء. وبالقرب من باب الجامع الحسينى، وبملابسها التراثية المطرزة والمرصعة ب"الترتر"، ووجهها الذي يجسد الملامح المصرية، افترشت إحدي السيدات وهي هدى سيد، بضاعتها إكسسوارات وملابس حريمي مرصعة بالترتر، فهي من تجار خان الخليلي، وترى أنه ليس هناك حرمة في الاحتفال بمولد الحسين: "ناس جاية تقرأ الفاتحة لسيدنا الحسين، مثل أعياد الميلاد، فما الحرام في هذا؟". وارتبطت الموالد جميعها ببعض الأكلات والعادات الشعبية، التي كان أهمها "الحمص"، والذي انتشر باعته في كل أرجاء الحسين، وبجوار سور حديقة الحسين، افترش بائع الحمص "حسين" الشاب الثلاثيني، من حي الظاهر، فرشه لبيع الحمص والحلاوة، ويقول ردًا على بعض الفتاوي بأن الموالد بدعة: قائلاً "كيف يكون بدعة وهو احتفال بمولد حفيد النبي عليه الصلاة والسلام، وكل الناس جايه تقول يا رب، محدش بيقول شالله يا حسين، جايين لوجه الله ويدعونه سبحانه". أكثر من 5 ملايين من مريدي الحسين، بحسب "بائع الحمص"، يتوافدون للدعاء والابتهال والتقرب إلى الله، ومنهم من جاء للرزق، متابعًا "أنا ببيع حمص وحلاوة، والموالد جعلها الله لرزقنا، وليس بمولد الحسين فقط، وإنما في كل موالد آل البيت، وجميعنا نأكل عيش بفضل الله، وليس بفضل الحسين أو أي من أولياء الله، الفضل يعود لله وحده"، بحسب قوله . شاهد الصور: