"جمال الحسين ضياء في الدارين لأهل النورين يمد القواطع".. أصوات المداحين تشدو في كل مكان، مريدي الطرق الصوفية يدورون في حلقات ذكر، وعائلات شدت رحالها من قرى الصعيد البعيدة والوجه البحري، حبًا في الإمام الحسين، وآل البيت، باعة يفترشون الأرض ببضاعتهم، وآخرون يجولون في ساحات المسجد، إنه مولد "الحسين" والذي يستمر لمدة أسبوع، تستمد فيه منطقة الحسين حالة من الروحانية الخالصة. الابتهالات والتواشيح الدينية تحيط بزائري الحسين من كل مكان، والذين لم يقتصروا على أهل المنطقة والقادمين من مختلف المحافظات فقط، بل أمتد أيضًا إلى الأجانب، الذين شهد المولد هذا العام انتشارًا ملحوظًا لهم، مندمجين في حلقات الذكر، كغيرهم من محبي الحسين، ومريدي الصوفية.
«العائلات الصعيدية» الزائر الأبرز كالرحالة يجوبون كل الموالد في أنحاء مصر، عادة لا يقطعها أهل الصعيد حبًا في رسول الله وأهله، غير عابئين بطول المسافة وتعب السفر، فعائلات من سوهاج والمنيا وأسوان وغيرها جاءوا للبقاء بجانب حبيبهم الحسين، كما ينادونه. "مدد يا سيدنا الحسين مدد، هو نادانا وإحنا جينا".. بلهجة صعيدية يحكي السوهاجي إيهاب دياب، ذو الستين عامًا، عن مواظبته على حضور المولد كل عام، منذ عشرين عامًا، ليقضى أسبوع بالكامل مع أهله وأقاربه في حضرة الحسين. "تعب السفر كله يهون لأجل خاطر سيدنا الحسين".. هكذا يقول دياب، عن تحملهم لمشقة المجئ من الصعيد، مضيفًا أنهم لا يفوتون مولد يخص آل البيت، وهو ما أكده رفاقه المحيطون به في ساحة مسجد الحسين.
«الخدمة والحضرة والمديح» لكل طريقة صوفية مريديها وأسلوبها في الاحتفال، يختلف عن غيرها، فداخل فندق "المدينةالمنورة" المطل على مسجد الحسين، اتخذ أتباع الطريقة النقشبندية مكانهم لمديح حفيد رسول الله، مشكلين حلقات دائرية للذكر، متوحدين مع إنشاد المداح، ليدخلوا في حالة من الصفاء والتوحد الصوفي. في حب الرسول وحفيده وآل بيته، يشدو المداح غانم عبد المنعم، متأثرا مع من حوله: "المديح جزء أساسي من ليالي المولد"، مضيفًا أنه جاء من أسوان خصيصًا للمشاركة في المولد، مع أتباع طريقته الصوفية. "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا،إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا".. بكلام الله بدأ الشاب الأسواني شريف المصري كلامه، حيث يعمل في الخدمة، لتقديم الطعام والشراب لزوار المولد، وتعمل الخدمة على توفير الطعام وأماكن النوم للقادمين من أقاصي الصعيد، وغيرها من المحافظات، ويقدمون الأضحيات لوجه الله تعالى، وتوزيعها على كل من يحتاج. "المحب يبذل أي شيء من أجل محبوبه".. هكذا قال أحد المشاركين في الحضرة، الذي بدا عليه التعب، إلا أنه رغم ذلك أصر على المجئ والمشاركة.
المولد موسم الرزق لبائعي طنطا تعد الموالد موسم الرزق لبائعي طنطا، حيث يأتون بكل بضاعتهم، للافتراش بها في ساحة المسجد، ونيل نصيب من عطايا سيدنا الحسين، كما تقول الحاجة بهية بائعة الحمص. بالونات، وحمص، وحلويات، وألعاب، وغيرها، يجول بها البائعون طوال أيام المولد: "المولد موسم السعد علينا". الحاجة حميدة، بائعة حلويات، تأتي مع بناتها وعائلتها في كل مولد، لبيع مختلف أنواع البضاعة، لزوار المولد، فتقول: "أيام المولد بنستناها من السنة للسنة عشان كلها خير".
زائرات سيدنا الحسين: «همومنا بننساها هنا» في أحد ساحات المسجد تجمع عدد من السيدات اللاتي افترشن الأرض داخل خيمهن، جئن بمفردهن أو مع عائلتهن، من أماكن بعيدة، محبة لآل البيت. السيدات هنا رغم التعب والشقا، إلا أن السعادة بادية على وجههن، "بنيجى هنا ننسى همومنا كلها".. هكذا تقول أحداهن، أما الآخرى والتى لا تقدر على الذهاب لزيارة بيت الله والحج، فإنها تكتفى بزيارة الموالد: "حاجة من ريحة رسولنا وحبيبنا" تقولها المرأة الستينية بحب.
الحسين وش الخير على «حمدية» "سيدنا الحسين وشه حلو عليه".. هكذا قالت حمدية الديب، والتى حصلت على عمرة هدية، بعد تقديمها في سحب، وجاءت لاستلامها يوم المولد. تحكي حمدية أنها جاءت من الإسكندرية لاستلام أوراق العمرة، إلا أنها أصرت على زيارة الحسين، ودعوة الله وشكره في رحاب المسجد.
رغم بلوغهما السبعين،.. ما زالا يصران على حضور المولد من بني مزار يأتون كل عام لحضور مولد الحسين، وغيره من الموالد، رغم بلوغهما سن السبعين، إنهما دهيمي حسين وزوجته، "عمرنا ما نحس بالتعب" هكذا يقول الرجل، مضيفًا أن كل ما يبتغياه نيل رضا الله ورسوله. "بنيجي هنا نشوف كل حبايب الرسول".. تقولها زوجة دهيمي والتي تأتى مع زوجها وأخواتها، رغم مرضها.
المولد ليس أيام «الحنانة» المفضلة رغم أنها تحب أيام المولد لأن منطقة سكنها في حي الحسين، وتشهد أجواءًا جميلة كما تصفها، إلا أنه على مستوى عملها فلا يوجد زبائن، تذكر أم سلمى، حنانة: "أغلب الناس مش بتبقى جاية تتفسح وترسم حنة" هكذا تقول مضيفة أن أغلب الباعة يتمركزون في الأماكن المخصصة لهم. "إحنا أه مش بنكسب زي كل يوم بس كفاية علينا زوار حبيبنا الحسين".. هكذا قالت سيدة، حنانة في المنطقة، فسعادتها بالمولد وزواره أغلى عندها من كل شيء.
مولد الحسين لم يخلو من السياح سياح من بلاد مختلفة يمسكون بكاميراهم لالتقاط صور من المولد، منبهرين بتلك الأجواء، والاحتفالات، فرغم عدم معرفتهم بأصل المولد وحكايته، إلا أنه بدأ عليهم الاندماج والإعجاب بالموسيقى والإنشاد المنبعث من كل مكان. "السياح السنة دي أكتر من كل مرة".. هكذا يقول علي عايد، أحد بائعي المنطقة القدامى، مرجعًا الأمر إلى التأمين الجيد للمولد هذا العام، وشعور السياح بالأجواء الروحانية للمكان.
في الليلة اليتمية.. الكل ينتظر الشيخ ياسين التهامي الليلة اليتيمة تأتي بعد الليلة الكبيرة للمولد، حيث يأتي الشيخ ياسين التهامي لإقامة حفلته سنويًا أمام باب مسجد الإمام الحسين، بحضور جماهيري كبير من أبناء الطرق الصوفية ومحبي الإنشاد الديني. كل أبناء الصعيد ينتظرون الشيخ ياسين، حيث تعد من أجمل ليالي المولد، "ليلة الشيخ ياسين غير أي يوم، ده بركتنا" هكذا قال أحمد سعيد، القادم من أحدى قرى الأقصر البعيدة.