للوهلة الأولى بدا أن جماعة «الإخوان المسلمين» آثرت التهدئة وتجنبت التصعيد مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد بيانه الأخير شديد اللهجة وغير المعهود يوم الاثنين الماضى؛ فالجماعة لم تصدر بيانًا رسميًّا للرَّد على الاتهامات والتهديدات التى وردت فى البيان، كما أن رئيس حزب «الحرية والعدالة» حضر غداة صدور البيان اجتماعًا فى وزارة الدفاع، برئاسة المشير طنطاوى لمناقشة «أزمة» الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. بل وأكثر من ذلك، فقد تحدثت بعض وسائل الإعلام عن أن المجلس العسكرى وجماعة «الإخوان المسلمين» يوشكان على التوصل لاتفاق، يتم بمقتضاه تكليف «الإخوان» برئاسة حكومة جديدة فى مقابل التهدئة مع «العسكر» وتخلِّى الجماعة عن فكرة الدفع بمرشح للرئاسة وإجراء تعديلات فى تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها وضع الدستور، بما يسمح بتمثيلٍ أوسع للتيارات غير الإسلامية. أيضًا لم يتمخض اجتماع مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين عن أى إعلان عن تحركات تعتزم الجماعة الشروع فيها من شأنها زيادة وتيرة التوتر مع المؤسسة العسكرية. إلا أن الإجراءات والتدابير العملية التى اتخذتها الجماعة اعتبارًا من يوم الخميس بدأت تشير إلى سيناريوهاتٍ أخرى. فقد قال زعيم كتلة حزب «الحرية والعدالة» فى البرلمان حسين إبراهيم: إن «المجلس العسكرى لا يستطيع حل البرلمان لأنه جاء بإرادة شعبية»، وأكَّد عزم حزبه «تشكيل حكومة شاملة تضم جميع الوزارات بما فيها وزارتى الدفاع والداخلية»، مؤكدًا أن «الحزب كصاحب للأغلبية النيابية لا يقبل أن يشكل حكومة سكرتارية». واستبعد إبراهيم إمكان تكرار سيناريو العام 1954، حين اصطدم مجلس قيادة ثورة يوليو بجماعة «الإخوان». وقال: «عجلة التاريخ لا تعود للوراء». وفى الإسكندرية كان التصعيد يأخذ منحًى آخر، فخلال إطلاق حملة ترفع شعار "حملة إقالة الحكومة وتسليم السلطة وإنقاذ مصر" قال العضو القيادى فى جماعة "الإخوان المسلمين" حمدى حسن "المجلس العسكرى يعمل جاهدًا الآن على تعطيل تلك المسيرة وعلى ضياع مكاسب الثورة الحقيقية." وأضاف فى بيان أرسله للصحفيين المتحدث الإعلامى باسم الجماعة فى المحافظة محمد نصر "يجب أن يعوا أن رئيسهم ومن علمهم فى السجن الآن وإن كانوا يريدون أن يفلتوه فسيدخلون السجن معه." وقال "إذا كان المجلس يريد أن يتعلم ويعلمنا دروس التاريخ فالتاريخ يعلمنا أن الشعوب هى التى تنتصر وأن السلطان المستبد لا ينتصر أبدًا." وكأن هذا بمثابة رد على تهديد المجلس العسكرى الذى ورد فى ختام بيانه الأخير "إننا نطالب الجميع أن يعوا دروس التاريخ لتجنب تكرار أخطاء ماضٍ لا نريد له أن يعود." الأهم والأخطر هو ما حدث ليلة الخميس فى نفس المحافظة حيث حشدت الجماعة تظاهرات تتطالب بصراحة ووضوح ولأول مرة برحيل المجلس العسكرى. والملفت أن التظاهرات تجمعت ليلًا وفى حوالى 15 موقعًا (كل موقع تجمع به أعداد تقدَّر بالمئات) وليس فى مكانٍ واحد مشهور أو مركزى فى المحافظة. وكأنها رسالة مبدئية ترسلها جماعة "الإخوان المسلمين" من معقل من معاقل التيار الإسلامى فى مصر بأن هذه ليست إلا البداية. فى كل الأحوال، تذهب بعض التحليلات إلى أن الأزمة بين «الإخوان» و«العسكر» ستجد طريقها إلى الحل وبسرعة و دون تمادى الجماعة فى مواجهتها مع المؤسسة العسكرية. والمتبنون لهذا الرأى يبررونه بأن الإخوان كتنظيمٍ هى حذرة بطبيعتها؛ لما اكتسبته من خبرة جراء معركتها مع نظام الحكم فى مصر على مدار الستين عامًا الماضية، فضلًا عن طبيعة البرنامج السياسى والاجتماعى للإخوان الذى يعتمد على التغيير المتدرج، وليس الراديكالى. وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأى فإنه يغفل حقيقة مهمة تتعلق أساسًا بالمشهد السياسى بعد ثورة 25 يناير. فالجماعة ومنذ تأسيسها لم تمر بفرصة حقيقية للمشاركة فى الحكم، والشروع فى الانتقال من المعارضة إلى السلطة، كالفرصة القائمة الآن. وبالتالى فإن التوانى عن اغتنام هذه الفرصة يمثل على أقل تقدير خسارة طويلة المدى! وبالتالى فإن احتمال ذهاب الجماعة بعيدًا فى مواجهتها المؤسسة العسكرية احتمال وارد وبقوة، خاصة إذا بدى للجماعة أن مكاسبها – القليلة حتى الآن – قيد التهديد، لأن المعادلة هى إما أن تفوز بالحكومة والبرلمان وتشرع فى برنامجها الاقتصادى والسياسى التى وعدت به جمهورها، أو تخسر ثقة عشرة ملايين ناخب أعطوها صوتهم، ومن ثم تهديد جدِّى لمستقبل مشروعها السياسى.