كنا نأخذ على نظام مبارك أنه يختار الأسوأ من بين ما يعرض عليه من بدائل حيث لا نكاد نرى له قراراً صائباً سوى قرار تنحيه عن السلطة!! ومن قبله اختار السادات بعض الاختيارات التى أضرت به كثيراً, حين بادر إلى الصلح المنفرد دون شركائه فى الكفاح, فخسر الموقف العربى كله, وحين بدأ فى إجراءات المفاوضات راجعه بعض معاونيه بضرورة التزامه بالصلاحيات الواردة فى الدستور فقال إن هذه الدساتير ليست لنا بل هى لمن بعدنا!! وحين حل مجلس الشعب بهدف التخلص من عدد قليل من المعارضين لسياساته ثم ختم حياته بقرار التحفظ اللعين الذى اعتقل فيه أكثر من ألف وخمسمائة شخص من قادة الفكر والرأى من شتى التيارات والقوى الوطنية, فكانت النتيجة المباشرة بعد شهر واحد فى احتفالات أكتوبر على يد معارضين إسلاميين لم يقبلوا بكل هذه الممارسات. ومن قبل الرئيس السادات كان الرئيس عبدالناصر الذى أخفق فى اختيارات عديدة, حين انقلب على التيار الدينى وأودعه السجون والمعتقلات وزج بمصر فى حرب اليمن وتسبب فى إشعال الحرب مع إسرائيل دون أن يكون مستعداً لها وأهل العلم يقولون إن إهاجة العدو قبل الاستعداد له خور فى القلب وخبل فى العقل!! إن الناظر إلى حكام العرب فى الحقبة الماضية وحتى الآن يجد أن هناك اختيارات خاطئة أدت إلى مفاسد كثيرة مثل قرار اقتحام العراق للكويت الذى تصدع له الموقف العربى كله ومثل قرار غزو التحالف للعراق الذى دمر الاحتياطى الاستراتيجى للأمة العربية, ومثل اختيار الرئيس السورى بشار والرئيس الليبى القذافى لمقاومة الثوار على النحو الذى شاهدناه وانتهى بمصرع القذافى, ونشاهده فى سوريا وسينتهى أيضاً إلى نفس المصير بإذن الله.. إننى أوقن أن الاختيار الخاطئ منشؤه إما البطانة السيئة التى تشير على الحاكم بما يضره وإما لطبيعة شخصية الحاكم المستبد التى يعمى فيها عند القرار الصحيح, وإما لعدم التوفيق وذلك لكثرة المعاصى واتباع الأهواء وترك العمل بالشريعة, والإعجاب بالرأى والتعالى على الخلق ونحو ذلك مما يستوجب غضب الرب, ومن بين الاختيارات الخاطئة أيضاً فى هذه الأيام أن نتعامل مع الواقع الجديد بالمفهوم الثورى الرافض لكل شىء فالبون الشاسع بين نظام مضى لايخفى حاله على أحد, وبين حاضر نريد فيه أن نبنى مصرنا ونشيدها بعد تضحيات جسام لشعبنا بكل طوائفه خلال ثورة يناير 2011, فهل يعقل أن يحرق الإنسان بلده بعد أن هبت عليها نسائم الحرية وعادت السلطة إلى أهلها؟! وهل يمكن أن نتعامل مع مجلس الشعب والشورى الحاليين مثلما كنا نتعامل مع مجلسى صفوت الشريف وفتحى سرور؟! بالطبع لا, ولكننى أنوّه كى نحافظ على استقرار مؤسساتنا, سواء من جانب النواب البرلمانيين أو من جانب الشعب الذى يريد أن تتحقق طموحاته فى أسرع وقت ممكن. ومن بين الاختيارات الخاطئة أن أرى حشداً من الراغبين للترشح للرئاسة يسحبون الأوراق وقد فات الأوان بالرغم من أن باب الترشيح لم يغلق!! لأن مساحة الدعاية منذ نحو عام مضى قد أخذت مداها وحفرت فى أذهان الجماهير شخصيات شغلت وسائل الإعلام تشرح مناهجها وتوضح تصوراتها وتجيب عن تساؤلات الناخبين, بل وعقدوا الكثير من المؤتمرات الشعبية الحاشدة, فهؤلاء جميعاً الذين سحبوا الاستمارات مابين عائد إلى بلاده من الخارج وكأنه قادم لإنقاذ مصر!! وبين من ذهب إلى مقر اللجنة العليا من باب الفسحة والتنزه, وهو يعلم يقيناً أنه لن يستطيع أن يحقق الشروط المطلوبة للتقدم للمنصب, وهناك من يحاول جاهداً أن يحظى بدعم القوى السياسية وهو بلا تاريخ وطنى معروف بل ربما لم يسمع عنه أحد سوى أقاربه وأصدقائه فى العمل, وكل هؤلاء جميعاً خارج حلبة السباق من قبل أن يبدأ!! لأن من يتقدم إلى هذا المنصب الخطير أو يُقدمه حزبه لابد وأن يمتلك الرؤية والمنهج والقدرة على إدارة مرحلة مستقبلية خطيرة, وأن يكون له من القبول الشعبى الواسع النطاق الذى يعتبر إحدى دعامات وركائز الحكم فى المستقبل. ومن بين الاختيارات الخاطئة فكرة الرئيس التوافقى بالمعنى الذى حاول البعض أن يوصلوه إلينا, وهو أن يكون الشخص المرشح لا هو إسلامى, ولا هو علمانى, ولا هو يسارى, ولا هو يمينى, أى يكون رئيساً بلا هوية يرضى عنه الجميع!! وهذا محال فلا يمكن أن يتحقق ذلك كله فى شخص واحد فى ذات الوقت, بل إن ما يمكن التحدث عنه هو أن يرشح التيار الإسلامى رئيساً يحمل المنهج الواقعى الذى يناسب المرحلة ويسوس أمور البلاد بحكمة وعقل رشيد, ويتشاور مع القوى الوطنية, ويرعى حق الله والوطن, ويؤسس لدولة العدل والحرية, فلا يظلم أحد لمعتقد يدين به, ولا يزيف إرادة أمته, ولا يخدع شعبه بل ينهض بالمهام الوطنية المنوطة به, ويتصدى لحل المشكلات مبتدئاً بالفقراء فيعيش الجميع تحت قيادته آمنين مطمئنين. إن الاختيار الخاطئ هو تجربة فاشلة يلزم أن يتعلم منها المرء ولا يكرر الخطأ فالعاقل من اتعظ بغيره واستفاد من تجارب الآخرين وبدأ من حيث انتهوا. جاء فى الأثر أن من كثر خطؤه كثر اعتذاره, ومن كثر اعتذاره قل حياؤه, ومن قل حياؤه مات قلبه, ومن مات قلبه دخل النار. والله المستعان