منذ موافقة الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى يوم السبت الماضى على تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور الجديد، مناصفة من داخل البرلمان وخارجه، وردود الأفعال المعارضة لم تنقطع، على الرغم من أن حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» اعتبروا أن إعطاء أعضاء اللجنة من خارج البرلمان نسبة 50% تنازلًا واضحًا وسعيًا للتوافق. تعدَّدت الجهات الرافضة لشكل اللجنة الذى استقرَّ عليها البرلمان، إلا أنها اجتمعت فى كونها جهات لا تنتمى إلى التيار الإسلامى، وبعضها يحمل مواقف سلبية تجاه هذا التيار. والسبب المعلن للرفض يتراوح بين القول بأن هذا التشكيل لا يعطى فرصة للاستعانة بالكفاءات وأصحاب التخصصات الذين لم يتسن لهم دخول البرلمان، أو أن إسناد صياغة الدستور إلى البرلمان ذى الغالبية الإسلاميَّة الواضحة، سيضفى على الدستور أفكار ومعتقدات هذه الغالبية. كان ممن أصدروا بياناتٍ وأعلنوا مواقفهم فى هذا الصدد الجمعية الوطنية للتغيير، حيث رفضت ما أسفرت عنه نتيجة الاقتراع لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، بل أكد أحد أعضاء الجمعية الأولى أنها تفكر فى اللجوء للقضاء لما تعتقده من بطلان هذا التشكيل. ولكن ما كان غير متوقع هو تصريحات «عمرو موسى» و«حمدين صباحي» المرشحين المحتملين للرئاسة والذين بدا خروجهما شبه المؤكد من حسابات «الإخوان» للترشح للرئاسة حيث اعتبر الأول أن المقترح الذى وافق عليه البرلمان أدَّى إلى رد فعل سلبى ومخاوف من الاستقطاب، فيما ذهب الأخير إلى رفض أن يشارك أعضاء البرلمان من الأساس فى الجمعية التأسيسية. على الرغم من أن الوزن النسبى لهذه القوى والشخصيات يبدو ضعيفًا خاصَّة فى ضوء الانتخابات البرلمانية إلا أن تصريحاتها وبياناتها المندَّدة تعد مؤشرًا على توجهات المنتمية إليها بغض النظر عن قوتها على الأرض. وفيما يبدو كرسالةٍ مبدئيَّة تعرب بها الحكومة ومن وراءها المجلس العسكرى عن عدم ارتياحها إزاء تشكيل الجمعية التأسيسيَّة، أشار «جودة عبد الخالق» وزير التموين والتجارة الداخلية فى مؤتمر صحفى عقد بمقر مجلس الوزراء يوم الاثنين عقب اجتماع اللجنة الوزارية للتجارة الداخلية برئاسة رئيس الوزراء إلى أن الإعلان الدستورى نص على أشياءٍ جانبها الصواب، وهو ما أدَّى إلى إطلاق يد مجلسى الشعب والشورى لاختيار الجمعية التأسيسية للدستور. ولكن عند محاولة تحديد مخاوف هذه القوى نجد أن الهاجس الأساسى لم يعد هو الخشية من أن يسعى الإسلاميُّون إلى دعم موقع الشريعة الإسلامية فى الدستور. فالقوى غير الإسلامية تعلم أن التيار الإسلامى بفصيليه لن يقدم على تغييرٍ جذرى فى موقع الشريعة الإسلامية من الدستور، فالجميع على دراية بأن عملية سن القوانين وصياغتها هى ما يتيح ولو إلى حين تفعيل دور الشريعة. عدد من رموز التيار الإسلامى خاصةً المتحدثين باسم «الحرية والعدالة» المنبثق عن جماعة "الإخوان المسلمين" أعلنوا فى أكثر من مناسبة أن هناك اتفاقًا مبدئيًا على الفصول الأربعة الأولى من الدستور الجديد التى تتضمن المادة الثانية ومواد الحقوق والحريات وحتى «النور» الذى تردد على لسان بعض أعضائه الحديث عن تبديل لفظة "مبادئ" ب "أحكام"، عاد وأكد بعض المتحدثين باسمه على فردية هذه الآراء. التهديد الحقيقى إذًا الذى تراه القوى غير الإسلامية هو فى دستورٍ يعطى البرلمان قوة ونفوذًا أوسع، وبالترجمة العملية يعطى الإسلاميين أصحاب النصيب الأكبر من مقاعد البرلمان هذا النفوذ، متمثلاً فى سلطاتٍ واسعة سواء من حيث اختصاصات الحكومة أو تشكيلها. ولعلل أولى القضايا المؤكدة فى هذا الصدد أن مسودة الدستور الذى يحتفظ بها حزب «الحرية والعدالة» تلزم الرئيس باختيار رئيس الحكومة من الكتلة البرلمانية الأكبر. وكان التعبير الأكثر وضوحًا عن المخاوف لدى العلمانيين فى هذا المجال هو ما قاله رئيس حزب "المصريين الأحرار" «أحمد سعيد» فى أواخر الشهر الماضى من أن "جماعة الإخوان المسلمين" اكتفت بهذه المرحلة بالسيطرة على مجلسى الشعب والشورى واحتكار 99% تقريبًا من الساحة السياسية، وترك مقعد الرئاسة دون مرشح إخوانى علنى"، محذرًا من أن الإخوان يخططون عند كتابة الدستور لتحويل البلاد إلى جمهورية برلمانية، و بالتالى يكون منصب الرئيس ليس مهمًا لأنه سيكون رئيسًا بلا صلاحيات. و بالتالى فالمشكلة الأساسية بالنسبة للقوى العلمانية هى أنها لا تريد للدستور الجديد أن يؤسس لبرلمان قوى ذى صلاحيات واسعة، لأن رهانها الأساسى الآن هو رئيس قوى بصلاحيات واسعة فى ضوء إعلان نية «الإخوان» عن عدم تقديم مرشح يوازن البرلمان الذى حسم الإسلاميون هيمنتهم عليه.