من الجيد أن يشعر الإخوان أنهم صاروا على المحك فى الشارع شعبيتهم بدأت تتراجع.. يكثر الكلام حول أنهم لم يقدموا شيئا معتبرا حتى الآن للشعب الذى وثق فيهم.. هم فى البرلمان يتكلمون فقط، وأغلب كلامهم لا يسمن ولا يغنى من جوع، هم لن يقدموا شيئا مفيدًا للمصريين طالما أن حكومة الجنزورى ضعيفة، ولا تعمل، ولا تريد أن تعمل، أو طالما أنهم لم يشكلوا الحكومة بأنفسهم.. لن يطير الإخوان بمصر بجناح البرلمان فقط، إنما لابد أن يكون لديهم الجناح الآخر وهو الحكومة.. الاختبار الحقيقى للإخوان ليس بأغلبيتهم فى البرلمان بغرفتيه "الشعب والشورى"، إنما بأن تكون السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة فى أيديهم.. هم فى مجلسى الشعب والشورى يمكن أن يتكلمون كما يشاءون، لكن الحكومة لا تلتفت إلى كلامهم، ولا تنفذ ما يريدونه، فيذهب ما يقولونه سدى. الحقيقة أنهم لابد أن يحصلوا على الفرصة كاملة فى السلطة، وهى حق لهم، وليست منحة من المجلس العسكرى حتى لا يتحججوا بأنهم يتعرضون لمحاولات الإفشال من العسكرى وحكومته. والواضح أن العسكرى يلعب عليهم، ويتلاعب بهم، ويسعى لحشرهم فى زاوية ضيقة أمام الشعب بتركهم يمرحون فى البرلمان فى دوائر من الكلام، بينما السلطة الحقيقية فى يديه مع حكومته، وهما يجمدان هذه السلطة حيث لا يفعلان شيئًا حقيقيا للناس فى أخطر ملفين: الأمن والاقتصاد بهدف استمرار ترويع المصريين، وتحويل حياتهم إلى بؤس معيشى حتى يجعلوهم يسخطون على الثورة، ويرضون بما يقدم لهم، فالعسكرى يصعب عليه أن يفرط فى السلطة، أو يتنازل عنها بسهولة.. لم يكن يجب على المجلس أن يتحجج بمسألة أن الإعلان الدستورى يمنحه الحق فى تكليف من يراه بتشكيل الحكومة، صحيح أن هذه مادة فى الإعلان الدستورى، لكن الصحيح أيضًا أن الشعب صاحب الإرادة العليا اختار أحزابًا معينة وأعطاها ثقته، وهذا بالضرورة يتطلب تكليفها بتشكيل الحكومة لتتحمل المسئولية كاملة أمام الشعب، أى توضع أمام مسئوليتها التاريخية ومن اختاروها ليكون الحكم عليها عادلا ومنطقيا وعمليا. من غير المفهوم أن يقود الحكومة من عينهم المجلس العسكرى فى ظرف لم يكن البرلمان المنتخب موجودًا بينما بعد انتخابه يظل العسكرى متمسكًا بتلك الحكومة التى لم تقدم مسوغات النجاح والبقاء والدفاع عنها، وفى نفس الوقت لا يلتفت لمن انتخبهم الشعب ويفسح المجال أمامهم لإدارة البلاد. ليس من حق العسكرى أن يظل متمسكًا بتلك الحكومة التى خذلتنا، ولا قيمة لأى إعلان دستورى أمام الإرادة الشعبية، وإذا كانت هذه الإرادة هى التى منحت الشرعية للإعلان الدستورى فإنها أيضًا هى التى منحت أحزابًا بعينها الأغلبية فى البرلمان.. هذه سياسة تأزيم من المجلس العسكرى وليست سياسة حلول وإدارة رشيدة حكيمة حريصة على تسيير أوضاع البلد ومحاولة إنقاذه.. لا أمن فى الشارع، فالجرائم تتزايد، ولا دور ملموس للداخلية فى مواجهة البلطجة والجريمة بشكل جدى عكس ما يشاع، والأوضاع المعيشية تتدهور وتسوء، وأحد أسباب اتساع الجريمة هو ضيق ذات اليد وقلة فرص العمل وسقوط هيبة الدولة والقانون، فلا يكون أمام العاطلين واليائسين والمستعدين للخروج على القانون إلا الكسب السريع السهل من خلال السرقة والسطو والبلطجة. فى جلسات لى مع أناس عاديين وجدت أن الذى صوت منهم للإخوان ممن ليسوا منظمين فى الجماعة أو الحزب بدأوا يتململون، ولو جرت انتخابات جديدة الآن لتراجعت النسبة التى سيحصل عليها حزب الحرية والعدالة، وإذا كان هذا حصل بعد أشهر قليلة فقط على الانتخابات وتشكيل البرلمان فما بالنا إذا مرت فترة أخرى على نفس المنوال، الأكيد أن رصيد الإخوان سيتآكل أكثر، ومن هنا عليهم الضغط على العسكرى لكن من دون الصدام العنيف معه لإجباره على إقالة الحكومة وتكليف حزب الأغلبية بتشكيلها، وذلك لنعرف كيف سيحل العقد الأمنية والاقتصادية والمعيشية على أرض الواقع ليكون ذلك هو الاختبار الحقيقى له. من الجيد أن تدرك الجماعة أن استمرار حكومة الجنزورى رغم فشلها، يعد بمثابة إفشال للبرلمان حتى يصبح مجرد مكان للكلام الذى لا يتحقق منه شىء، لكن الكلام يجب أن يتحول إلى فعل. والسؤال: لماذا يصر المجلس العسكرى على أن يواصل جر البلاد إلى المجهول؟ ألا يكفه أكثر من عام من الارتباك والفشل الكامل فى الإدارة حتى نفد رصيده وصار عبئًا على إدارة البلد، وصار لزامًا عليه أن يرحل هو وحكومته اليوم قبل الغد؟! [email protected]