إذن نحن أمام حاجة من اتنين: إما أن يشكّل الإخوان الحكومة بعد فوزهم بالأغلبية فى الانتخابات.. وإما لن يشكّلوها! لو لم يشكلها الإخوان فنحن أمام حاجة من اتنين: الحاجة الأولى أنهم لن يسعوا ولن يطالبوا بذلك وفى هذه الحالة نصبح أمام تخاذل إخوانى (مثير للدهشة وللاستنكار) عن تطبيق أولى قواعد الديمقراطية، وهى أن يحكم الحزب صاحب الأغلبية الذى حظى بالثقة الشعبية، لكنه عموما لن يكون أول خذلان أو آخر تخاذل فى قرارات الجماعة التى تحدد مواقفها طبقا لمصالحها، وهذا حقها، ولكنها تجتهد كثيرا فى ادّعاء أن مصالحها هى مصالح الوطن، فإن اكتفت بأن تقول إن هذه ليست مصلحة الجماعة الآن، سكتنا محترمين القرار، لكن أن تقول إن هذا ليس من مصلحة مصر فذلك وايم الله إلباس للحق بالباطل رغم أن هذا الموقف سوف يأتى على هوى العسكرى وبعض القوى السياسية التى ما تصدق تخلص من سيطرة الإسلاميين على حكومة تدير البلد! الثانية أن المجلس العسكرى متحججا بالحجة الفارغة الوهمية التى يدّعى فيها أن الإعلان الدستورى لا يُلزِم المجلس تكليف الحزب صاحب الأغلبية بالحكومة (بينما فى الواقع أن الإعلان نفسه لم يمنع كذلك المجلس من تكليف الحزب الغالب بالحكومة)، وحيث إن «العسكرى» معجب جدا بهذه الحجة التى تكيفه تماما ويعتبرها عبقرية لوذعية، فإنه لن يطلب من الإخوان تشكيل حكومتهم، ويبدو أنه سيكون هناك توافق عسكرى إخوانى وتواطؤ من الآخرين على الطرمخة فى هذه النقطة وترك الحكومة للجنزورى و«العسكرى» ولعب دور البطولة فى البرلمان عبر تشريعات يقضى فيها الإخوان وبرلمانهم وقت فراغهم مع استجوابات تليفزيونية تملأ ساعات البرامج المسائية! وقد يتخيل بعض الإخوان أنه قد لا يكون من مصلحة الإخوان أنفسهم تشكيل الحكومة، فالمهمة ثقيلة والتحدى كبير وخبراتهم محدودة والآمال عليهم ضخمة ومبالَغ فيها، ومن ثم فأى خطأ أو ضعف أو فشل سوف يرتد فى نحورهم، ولهذا فإنهم فى منتهى التردد الذى يحاولون تجميله ليبدو كأنه تعفف أو ترفع! وتنبئ خطتهم بملامحها الظاهرة الآن عن التركيز على تغيير الدستور وإصدار قوانين تعيد صياغة شكل المجتمع المصرى! لكن ربما ينتظر الإخوان حتى يوم 25 يناير كى يستكشفوا المشهد، فإذا تحول اليوم إلى مظاهرات مليونية وأعطى درسا أن الثورة حية ولا تزال هناك قدرات على حشد الشارع لمطالب ثورية، وإذا استمرت التجمعات فى اعتصامات فى الميدان تنادى بتسليم السلطة وأحرجت بقوتها أو بتصميمها أو بعددها الكبير المجلس العسكرى، ففى الغالب سوف يكون أمام الإخوان حاجة من اتنين: إما أن تستثمر «الإخوان» هذه الفرصة السانحة وتضغط على «العسكرى» فى لحظته الضعيفة المتراجعة لتولى مسؤولية تشكيل حكومة، وتحيل غضب الجماهير إلى داعم وضاغط من أجلها ومحفز ومبتهج بحصولها عمليا على حكم مصر بتشكيل حكومتها. أو الحاجة الثانية التى اعتدنا عليها من الإخوان، أن يفرحوا بما أتاهم حتى مقاعد مكاتبهم وأرائكهم، فلا يضغطوا على المجلس العسكرى فهو ضعيف خلقه فلا يطالبون بتشكيل الحكومة بينما ينزعون من «العسكرى» ومن حكومته جميع ما يريدون فيأخذون من «العسكرى» عسل السلطة ويتركون له علقم غضب الناس! لكن ماذا لو قرر الإخوان فعلا تشكيل الحكومة؟ سيطلبون ذلك بوضوح من «العسكرى» وسوف يلبى «العسكرى» هذا المطلب خلال اثنتين وسبعين ساعة، ثم سيقرر الإخوان ضم أطراف وأطياف من القوى السياسية إلى تشكيل الحكومة، عبر تحالف فى البرلمان سيكون فى الغالب مع أحزاب الوفد والكرامة والناصرى وغد الثورة وبعض الشخصيات العامة. لكن هل سيكون هذا مفيدا لمصر ولمستقبلها؟ ربما تكون حكومة الإنقاذ الوطنى القائمة على تحالف واسع بين الأطراف والأطياف السياسية المختلفة والمؤتلفة هى الحل الأمثل والأفضل من وجهة نظر كثيرين لبناء مصر بعد الثورة، لكن من ناحية أخرى نحن أمام فوز كبير وأغلبية واضحة للإخوان والإسلاميين فى الانتخابات البرلمانية، ويبدو فى الحقيقة أن المشروع الإسلامى هو صاحب الحظوة والثقة الهائلة عند المصريين، فيصبح تداخل قوى من خارج الفصيل الإسلامى فى الحكومة قفزا على إرادة الجماهير وضربا لطموحها الواضح فى تطبيق برنامج الإسلاميين فى الحكم، من وجهة نظرى أننا فى حاجة بالغة إلى أن يشكل الإخوان حكومتهم منفردين بها وهم يملكون أغلبيتها فعلا الضامنة والكاملة (عبر تحالفات محددة) حتى ينفذوا مشروعهم وبرنامجهم كما وعدوا الناس به، فقد انتخبوهم على أساس مشروع إخوانى واضح متكامل ليكون موضع تنفيذ منهم وتطبيق من مسؤوليهم! أما القوى التى حصلت على نصيب الأقلية فيجب أن تلتزم كونها معارضة وطنية أمينة ومخلصة لرسالتها كما تكون رقيبة وحسيبة على الإخوان وأداء حكومتهم. لقد انتظر الإخوان أربعة وثمانين عاما من أجل هذه اللحظة، أن يحكموا مصر، وقد جاءت أخيرا، لكن يبدو أن الإخوان يؤمنون بالمثل الإنجليزى الشهير «كن حذرا فى ما تتمناه فقد تحصل عليه»...!